الرئيس في القفص

لم أكن أحب أن أرى الرئيس السابق حسني مبارك في القفص. بدا لي أن في الأمر مبالغة في الإذلال لرئيس سابق لمصر ليس لائقا بحقها قبل أن يكون بحقه، ويعطي معاني الانتقام الزائد عن الحاجة وليس معاني الحق والعدالة. إنه لمشهد مؤذ للعين أن ترى العجوز الذي كان ذات يوم  في ذروة المجد مجرورا على السرير إلى داخل  قفص المحكمة ويتعين عليه أن يرى أولاده معه في نفس القفص بلباس السجن. ربما كان هناك أمر واحد يبرر الأمر وهو توثيق لقطة تاريخية لا تفوت بما تحمله من معان ودروس ليست بحاجة للاستطراد في شرحها.
من الواضح ان أحدا من الزعماء العرب لم يستفد من الدرس، درس سقوط مبارك وقبله بن علي. وعندما تقرر اعتقال مبارك وعائلته وتحويلهم للمحاكمة رأى البعض في ذلك خطأ يعطي درسا معاكسا لبقية الزعماء بالتمسك بالسلطة مهما بلغ الثمن،لأن البديل هو البطش بهم وبعائلاتهم. لكن هذه الفرضية قد لا تكون دقيقة تماما، فقد أتيح للرئيس اليمني مخرج مشرف بالتنحي مع منع محاكمته أو إلحاق أي أذى به، لكنه رفض وناور على كل العروض حتى أحرقته قنبلة، وهو حتّى الآن يصرّ على عدم التنحي وتوفير فرصة لانتقال سلمي للسلطة. والحقيقة أن مبارك وبن علي نفسيهما كانا يستطيعان تجنب ذاك المصير المظلم لو قررا في وقت مبكر التغيير وإتاحة تحول سلمي ودستوري للسلطة.
مهما يكن فما يجري في مصر وتونس هو عمل سلمي مقبول، فالزعماء هم تحت حكم القانون ولا يخضعون لمحاكمات جزافية تنتصب أعواد المشانق سلفا خلفها، ولا ينتظرهم مصير تقرر من عسكر انقلابيين، فالجهاز القضائي الذي كان قائما في زمنهم هو الذي يقوم بمحاكمتهم وفق أصول المحاكمات الجزائية المعهودة. وهو الأمر الذي لا يمكن ضمانه في دول مثل ليبيا واليمن وسورية حيث يتطور العنف الى مواجهة دموية شاملة.
ربما كان الشيء المثالي، الاكتفاء باستعادة أموال الشعب من رجال النظام السابق بدون حبسهم وإذلالهم، وهذه قضية اجتهادية وخلافية، ولا نجزم ماذا سيقول الشعب لو جرى استفتاءه حول الأمر. قد تكون هناك شخصيات تستحق بالفعل الحبس والإذلال بقدر مسؤوليتها عن القمع والقتل، والمهم أن لا يكون الانتقام هو سيد الموقف بل القانون والحق والعدالة.
يستعجل البعض إعلان نهاية الربيع العربي، أكان بفعل المواجهة الدموية المديدة وتعثر الحسم في الدول التي لم يحيّد الجيش فيها نفسه عن السلطة القائمة، أو بفعل تعقيد التحول إلى نظام ديمقراطي جديد في تونس وفي مصر، حيث القلق من تحالف جديد بين العسكر والإخوان المسلمين على قاعدة حفظ مصالح وامتيازات وفساد الطرف الأول مقابل حصّة في السلطة للطرف الثاني. وأعتقد أن هذا الاستنتاج متعجل وتشاؤمي أكثر مما يجب، اذا لم يكن سيئ النية ابتداء تجاه الربيع العربي.