د. موسى شتيوي يكتب :الإصلاح السياسي والأغلبية الصامتة

بعكس الحراك السياسي في الثورات العربية الذي كان في بدايته عفويا غير منظم، ولم تبادر إليه الأحزاب السياسية، وإن شاركت فيه بفعالية لاحقا، فإن الحراك السياسي في الأردن كانت تقوده الأحزاب المعارضة منذ بدايته. لقد كانت أحزاب المعارضة التقليدية كالحركة الاسلامية والأحزاب القومية واليسارية هي العمود الفقري للحراك السياسي في الأردن، واستطاعت هذه الأحزاب أن توسع دائرة مؤيديها من خلال هذا الحراك مع مرور الوقت، ولكنها لم تستطع أن تكون كتلة جماهيرية كبيرة مؤيدة لهذا الحراك. وبدأ حجم الدعم يراوح مكانه، إن لم يتناقص مع مرور الوقت. وقد يعود السبب في ذلك إلى سرعة استجابة الدولة لمطالب الحراك الشعبي، وهذا لا يعني أن كل الحراك الشعبي كان من رحم هذه الأحزاب، لأنه كان هناك حراك عفوي شبابي، ولكن حتى الحراك الشبابي لم يكن بمعزل عن هذه الأحزاب والحركات.
إذا كان الحراك السياسي لم يتحول إلى حالة شعبية عارمة ينضوي تحتها غالبية الناس بمشاربهم المختلفة، فأين هي الأغلبية الصامتة، ولماذا بقيت صامتة؟ بداية يجب القول إن عدم مشاركة الأغلبية في الحركة الاحتجاجية لا يعني بتاتا أنهم لا يؤيدون المطالب الإصلاحية الديمقراطية كتغيير قوانين الانتخاب والأحزاب والتعديلات الدستورية ومحاربة الفساد، ولكن المفارقة أن صوتهم غير مسموع أو غير موجود.
هناك ثلاثة احتمالات لتفسير هذه الحالة قد تتقاطع مع بعضها بعضا أحيانا:
الاحتمال الأول هو أن هذه الكتلة الحرجة تؤيد الإصلاح السياسي، ولكنها قد لا تؤيد الحركات القائمة على المطالبة به من الناحية الأيدولوجية، وقد لا تؤيد الأسلوب أو الأساليب التي تستخدمها في تحقيق ذلك، كما أظهرت نتائج بعض استطلاعات الرأي من أن الذين يؤيدون المظاهرات والاعتصامات نسبة متدنية نسبيا، وبالتالي لا يشاركون في هذه الحركات الاحتجاجية.
الاحتمال الثاني قد يكون من منطلق أن الإصلاحات السياسية والديموقراطية ليست هي أولوية لجزء كبير من هذه الفئة أمام الضغوطات الاقتصادية والظروف المعيشية. إن هذا الاحتمال إذا كان صحيحا، فإنه يعني أن جزءا ليس بسيطا من شرائح المجتمع الأردني لم تعد مسيسة، وأصبحت لديها حالة من عدم الاكتراث السياسي نتيجة الإحباط الذي يعتريها من العملية السياسية، وأنها باتت غير مقتنعة بها، وهي تعطي قيمة أعلى في هذه المرحلة للاستقرار السياسي والوظيفي أو الاقتصادي والاجتماعي.
أما الاحتمال الثالث، فهو بلا شك يمثل بعض شرائح المجتمع، وهو أنها متحمسة للعملية الاصلاحية، وتدعم التحول الديمقراطي، ولكنها ليست لديها الأطر التنظيمية التي تستطيع أن تعبر عن رؤيتها وتطلعاتها من خلالها. وفي نفس الوقت، فإن الحراك السياسي لم يؤد إلى فرز أطر تنظيمية لهذه الفئة. ومن اللافت للانتباه، الغياب شبه الكلي لما يسمى الأحزاب الوسطية أو الوطنية عن هذا الحراك السياسي، والفشل الأكبر في بلورة موقف ورؤية حول عملية الإصلاح، والتزامها الصمت شبه التام زاد من عزلتها وتهميشها.
إن هذه الكتلة الحرجة من الأغلبية الصامتة التي لم تستطع أية قوة مؤثرة على استقطابها بعد، تشكل إحراجا للأحزاب السياسية، بما فيها أحزاب المعارضة وللحكومة في آن واحد. وكونها لم تتحرك بعد، لا يعني أنها لن تتحرك في المستقبل بدون معرفة وجهتها وحراكها.