اردوغان وترمب و" حرب الجاسوس" !!

هناك حقيقة لا نستطيع تجاهلها أو انكارها، تتمحور حول وجود ثلاث قوى تؤثر في القرارات المتعلقة بمستقبل الشرق الأوسط في غياب عربي كامل، وهي ايران وتركيا واسرائيل، ولكل دولة مشروعها ومصالحها، وأطماعها بمجال حيوي أوسع، ولكن بشكل نسبي، وإن كنت لا أحب أن أضع الدول الثلاث في وعاء واحد، لأن اسرائيل تمثل في تكوينها الإستعمار الإستيطاني العنصري المارق بكل بشاعته. كذلك اسرائيل مدعومة حالياً بشكل مطلق غير مسبوق من إدارة ترمب، بل واشنطن تخوض حروباً سياسية وعسكرية بديلة، لضمان التفوق العسكري الإسرائيلي، وتعطيل المعادلة الإقليمية القائمة، لذلك قامت بفرض حصارعلى ايران، كما فرضت عقوبات اقتصادية على تركيا بحجة اعتقال القس اندرو برونسون، وخلال (حرب الجاسوس) سددت واشنطن ضربة قاسية لليرة التركية. والهدف من العقوبات ضد ايران وتركيا انهاك

 
اقتصاد الدولتين وزعزعة استقرارهما، واشغالهما بأزمات اقتصادية اجتماعية داخلية. الأزمة المتصاعدة بين انقرة وواشنطن في طبعتها الجديدة تحتاج إلى وقفة طويلة لأنها بعد انقلاب الحليف على الحليف. صحيح أن شخصية اردوغان أصبحت شخصية اشكالية جدلية بسبب المتغيرات التي حدثت، ولكن يجب أن نعترف أن صعود تركيا اقتصاديا في عهد رجب طيب اردوغان استحقت التوقف والدراسة والإعجاب، لأنه نجح في بناء اقتصاد دولة مزدهرة احتلت مكانة متقدمة في الصناعة والتجارة والسياحة، ولكن عندما دخل اردوغان في عمق العمل السياسي وعمل على تكريس كل قدرات الدولة لتحقيق مشروعه الخاص وحلمه الذاتي، أدخل تركيا كلها في المتاعب، خصوصاً عندما بدأ يتدخل في شؤون مصر الداخلية، والتوغل في الأراضي العراقية، ثم آخرها عندما فتح معسكرات بلاده لتدريب المسلحين المتطرفين، وفتح حدودها أمام تدفق الإرهابيين إلى سوريا وختمها باجتياح عسكري لمناطق في الشمال السوري. بصراحة، لا أتفق مع اردوغان وأرفض مشروعه التوسعي المبني على الخطاب السياسي الديني، وأرى أنه "برغماتي" من طراز أول، خصوصاً عندما حاول أن يكون في موسكو وواشنطن في وقت واحد، عبر "الفهلوة السياسية" التي قادته وبلاده إلى أكثر من مأزق، وهو الآن يحاول ايجاد مخرج يحفظ سلامته، كما أن كل ما بناه منذ وصوله إلى السلطة أصبح آيلاً للسقوط إذا لم يتدارك الأمر بحكمة، خصوصاً أنه يواجه رجل البيت الأبيض المصاب بالعناد المنغولي، الذي هز الاقتصاد الكوني وهدد السلم العالمي بقراراته المتهورة وفرض العقوبات في كل اتجاه. اليوم، اردوغان يبحث عن حلول طارئة سريعة لإنقاذ ما يمكن انقاذه، ولكن الحل الجذري يحتاج إلى وقت طويل، لأن عملية خلق سوق تجاري عالمي جديد يتعامل بغير الدولار، ويمتد من روسيا إلى أوروبا إلى الهند والصين عبر الشرق الأوسط ليصل إلى أميركا اللاتينية، يحتاج إلى وقت وإلى معجزة، وقبلها على اردوغان أن يقرر هل يستطيع سحب يده من قبضة واشنطن، وإعادة حساباته وتحالفاته الإقليمية والدولية؟ هذه هي المسألة.