رفع أجور الأطباء سقطة غير مبررة في وقت غير مناسب
بعدما تسيدت النقابات المهنية المشهد الوطني في التصدي لحكومة هاني الملقي غير المأسوف عليها في مواجهة قانون ضريبة الدخل وقدرتها الهائلة على تثوير الشارع الشعبي بالاعتصامات والاضرابات الحاشدة واثارة الرأي العام بالغضب والاحتقان والالتفاف الجماهيري العارم حول رجالاتها ومنتسبيها في حالة حراك وطني سلمي منظم قل نظيره اثار إعجاب المراقبين في الداخل والخارج ولا زال كثير من المواطنين البسطاء والعفويين يستذكرون الدكتور على العبوس نقيب الاطباء رئيس مجلس النقباء وهو يصدح بصوته من فوق المنابر معارضا ورافضا ومدافعا عن قوت الشعب وحقه في الحياة الكريمة وقلبه يقطر حزنا واسى على حال أبناء الوطن الفقراء والمعدمين الذين سيخضعون لقانون ظريبي ظالم لا يرحم وهم في اسواء الظروف المعيشية وسبل الكسب المادية وكم كانت عباراته نحمل في طياتها الكثير من التأثير والحماسة وهو يقول ( المواطن الاردني لم يعد في جيبه ما يدفعه للحكومة ) كلمة حق ربما اريد بها باطل بعدما أصبحت جيوب المواطن فجأة ممتلئة بالنقود ليدفعها الى الاطباء اجور علل وامراض وان نقابة الأطباء التي قادت مجلس النقابات في رفع شعار محاربة رفع الأسعار وقانون ضريبة الدخل هي ذاتها تقوم اليوم بالرفع والتضييق على المواطنين وإنهاك ميزانيتهم المستنزفة أصلا بالإرتفاع المبالغ فيه بأجور كلفة المعالجة الطبية فياللعجب
بعدما سقطت حكومة الملقي تنفس المواطنين الصعداء ودبة في أرواحهم بقية من حياة ولاحت أمامهم بارقة أمل ان من الله عليهم بحراك النقابات المهنية الجديد كرديف وسند في الدفاع عن لقمة عيشهم ومستقبل ابنائهم يعوضهم عن استمرارية تغول الحكومة على دخول المواطنين وتخاذل مجلس النواب في الدفاع عن قضاياهم وغياب الأحزاب السياسية بالمطلق عن مسيرة حياتهم العامة ليفاجأ الناس في وقت غير مناسب ودون تفسير او تبرير بقرار متسرع وغير مدروس تشتم منه رائحة المال والاعمال و التجارة والاستغلال والكسب غير المشروع على حساب المرض والضيق والموت والحياة حيث
أقر مجلس نقابة الاطباء لائحة تعرفة الأجور الطبية لسنة 2018 والتي رفعت اجور الاطباء بشكل كبير
حيث تضمنت اللائحة اسس احتساب اجور الأطباء واسماء الإجراءات الطبية لكل اختصاص
على نحو غير مسبوق بعد موافقة الحكومة عليها ونشرها في الجريدة الرسمية مما يشكل انتكاسة متسارعة للعمل النقابي تؤثر على مستقبله وثقة المواطنين فيه خاصة وان القرار ابتعد عن الناحية الانسانية واعتمدت النقابة الجانب التجاري المحض ولم تراعي الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطن الأردني برفعها الحد الأدنى للكشفية للطبيب العام من 5 دنانير إلى 8 دنانير، والحد الأعلى من 8 دنانير إلى 12 ديناراً، بينما رفعت كشفية الطبيب الاختصاصي من 10 دنانير إلى 15 ديناراً والحد الأعلى من 20 ديناراً إلى 25 دينارا
وان نقابة الاطباء الذي يترأس نقيبها مجمع النقابات وضع النقابات كافة في وضع حرج واتهام بعدما ارتفعت اسهمها لدى الشارع الاردني في الاونة الاخير حين اسقط العبوس نفسه في قعر بئر سحيق وجر معه نقابة الأطباء ومجلس النقباء الى زوبعة تشكيك وكراهية تدور ولا تتوقف وتطال الجميع وكأن ما جرى على الدوار الرابع كان مسرحية عبثية مرتبة واستعراض مبيت ليس فيه ما يمت للوطن ولا حياة المواطنين الضنكى أي هدف قريب او بعيد واصبح العاقل حيران في فهم ما جرى لكن اغلب الظن يقف على ان ما كان هو مجرد مغازلة مفضوحة مع الحكومة بأسلوب جديد وانتظار مرتقب لمبادلة المواقف الزائفة بصفقة مالية رابحة تحول دون اعتراض مجلس النقباء على تعديلات قانون الضريبة الجديد بحماية شريحة الاطباء من أي تبعات مالية ضريبية تلحق بهم مستقبلا من خلال رفع اجورهم وعدم تاثرهم في حال اقرار نظام الفوترة الوطني كاداة فعالة تسهم في معالجة التجنب والتهرب الضريبي وان رفع اجور الاطباء بهذا المستوى يشكل ضربة استباقية لكل الاحتمالات التي سيحملها قانون الضريبة المتوقع حيالهم وكل ذلك على حساب المرضى الفقراء المتعبين فمن معركة الرابع الى هزيمة رفع الاجور بون شاسع ومن كان مدافعا عن حياة وقوت المواطن ها هو ينقلب عليه ويطعنه في الظهر غدرا وغيلة بعد تجويعه وإفقاره والاجهاز عليه من قبل الحكومات المتعاقبة وفي توقيت سيء للغاية يثير التساؤلات المشروعة حول اقرار لائحة اجور طبية التي تنهك اصحاب الدخول الفقيرة والمتوسطة تضاف لاعباء الحياة الاخرى التي باتت تثقل كالهم ولا مجال لمزيد منها وفي ذات الوقت فانها تسهم في تعظيم ارباح الجهات الطبية من مستشفيات وأطباء القطاع الخاص وما يثير الريبة ايضا التساهل الحكومي والاستجابة العاجلة في اقرار لائحة الأجور على عكس ما التزم به رئيس الوزراء الرزاز بدراسة أي اثار سلبية لاي قرار يمس المواطن فكيف مرت هذه اللائحة بهذه السهولة لولا ان هنالك ( حاجة في نفس يعقوب ) وهل نحن اليوم مطالبين بتحشيد المواطنين ودعوتهم لتنظيم اعتصام واحتجاج امام مجمع النقابات للمطالبة بالرجوع عن هذا القرار الجائر نصرخ عاليا أنهم استغلو واستثمروا حالة غضبنا الشعبي الكبير في احتجاجات الدوار الرابع ضد حكومة الملقي لتحقيق مصالح شخصية مبيته لهم بعدما أصبحوا ابطال ووطنيون على اكتافنا
ومما يزيد العجب عجاب ان كثير من أهل الاختصاص والمعرفة يقولون بانه على الرغم ارتفاع معدلات التضخم السنوي وارتفاع الكلف التشغيلية والمستهلكات الطبية الا ان نسبة الرفع للأجور فاقت النسبة الحقيقية للتضخم والكلف
الم يكن اولى ان تقوم نقابة الأطباء والجهات المعنية بحل المشكلات في القطاع الصحي الخاص وعلى سبيل المثال لا الحصر تحسين نوعية ومستويات الخدمة المقدمة للمواطنين ومعالجة الاخطاء الطبية التي ترتكب بحق المواطن سواء الخطأ العادي او الخطأ الناحم عن اهمال بعض الجهات الصحية وما ينتج عنه من اثار نقول كان يتعين على نقابة الاطباء معالجة مسألة ارتفاع الاجور الطبية في المستشفيات الخاصة وارباحها المتراكمة واسعارها الغير منطقية في كثير من الاحيان سواء كان المريض داخليا او قادما من الخارج وكذلك كان على النقابة البحث جديا عن انخفاض اعداد القادمين من الخارج لتلقي العلاج في الاردن والبحث عن الاسباب والمسببات لا ان تبحث عن تحصيل موارد اضافية من المواطنين الغير خاضعين للتأمين الصحي أصلا وبالتالي فانها بهذا القرار تكون قد ضيقت على ما تبقى من ذوي القدرات الشرائية المتوسطة والضعيفة وان مثل هذه الممارسات تصب في خانة اضعاف المواطن المريض وانهاكه بالتدريج وبصمت مريب من الجهات الحكومية الرسمية وعلى الرغم من القرار المجحف حول رفع الأجور الطبية على أبناء الوطن وأغلبهم من الكادحين والفقراء وبالاضافة الى ان حجم الرفع مبالغ فيه ويشكل حالة من الإستقواء على المواطنين ورغم المطالبات المتعددة والاستكارات المتتالية لهذا القرار المجحف الذي ياتي تزامناً مع الوضع الإقتصادي الصعب الذي يمر به الأردن بشكل عام والمواطنين بشكل خاص ولما له من نتائج كارثية على المرضى وذويهم الا ان نقابة الاطباء ممثلة برئيسها علي العبوس ظلت متمسكة بموقفها الصارم ورفضها المطلق في التراجع عن القرار او تعديله في تحدي واضح لكافة شرائح المجتمع ومؤسساته المختلفة
اننا نأمل ان تعمل نقابة الاطباء والحكومة من اجل تحقيق تأمين صحي شامل لكافة المواطنين بالتعاون مع قطاع التأمين الخاص واذا ما وصلنا الى تحقيق هذا الهدف فان من حق اصحاب اي مهنة ان يعدلو الاجور بما يعادل نسبة التضخم الحقيقية الفعلية وليست المفترضة او المبالغ بها وما يترتب على ذلك ان تقوم الحكومة والقطاع الخاص برفع اجور ورواتب العاملين والمتقاعدين بما يتناسب مع نسبة التضخم وان يكون هنالك تحديد واضح لاسعار الادوية خاصة لكبار السن والاطفال اقل من اثني عشر وبهذا نكون قد وصلنا الى ما نادى به جلالة الملك المفدى ضمن الورقة النقاشية السادسة بكل مضاميتها واهدافها السامية
واخيرا التساؤلالمشروع الذي يبقى عالق في اذهان الكثيرين ويختلط فيه الخاص بالعام والمبدء بالمبتدع هو
الم يكنوا السيد العبوس ونقابة الاطباء ومجلس النقابات المهنية ضد الأعباء الضريبية مدافعين عن قوت الشعب وألم تكن مهنة الطب متذ الأزل إنسانية صرفة قبل ان تصبح تجارية بحتة ثم الم يكن ممكن للنقابة رفع الاجور بطريقة معقولة ومقبولة تراعي ظروف الناس وهل الأطباء بهذا القرار خانوا القسم ونكثوا العهد وفرطوا بالأمانة ؟
mahdimubarak@gmail.com
.