لا حياة لمن تنادي؟!
الإصلاحات السياسية على الطريق ، فهناك تعديلات إيجابية على الدستور الأردني قد تجعلـه من أفضل دسـاتير العالم ، وهناك مشاريع قوانيـن جديدة للأحزاب السياسية والانتخابات العامة تؤمن الشفافية والنزاهة. أي أننا على أبواب عملية إصلاح سياسي كبيرة سماها رئيس الوزراء وثبة تاريخية ، ولكن ماذا عن الإصلاح الاقتصادي ، وبالأخص إدارة الموازنة العامة والمديونية.
خلال الشهور الخمسة الأولى من هذه السنة التي تتوفر عنها أرقام ومعلومات ، ارتفعت الإيرادات المحلية بنسـبة 2ر2% فقط لتبلـغ 1920 مليون دينار ، في حين ارتفعت النفقات الجارية بنسبة 2ر12% ، لتبلغ 3ر2093 مليون دينار ، وهو وضع غير طبيعـي ، وغير قابل للاستمرار ، ولا يجـوز السكوت عليه لشهر واحد.
تشير هذه الأرقام أيضاً إلى أن الإيرادات المحلية لا تغطي سوى 7ر91% من النفقات الجاريـة للحكومة ، الأمر الذي يدل على التراجع في هـدف الاعتماد على الذات ، وهو أهم أهداف السياسـة المالية الحصيفة ، ذلك أن كل النفقات الرأسمالية وجزءاً متزايداً من النفقات الجارية يتم تغطيتهـا من المنح الخارجية والقروض ، وهي حالة غير مقبولـة لا اقتصادياً ولا سياسياً ولا وطنياً ، ولا يمكن التغطية عليها بعبارات براقة أو الاعتذار بالظروف الراهنـة.
هذا ما تقوله الأرقام الرسمية المعلنة ، لكن الصورة الحقيقية للوضع المالي قد تكون غير هذا ، فالنفقات الجارية سوف تكون أعلى بكثير لو أننا أخذنا بالحساب المطالبات المستحقة للموردين وغير المدفوعة ، وكذلك تعويض شركة مصفاة البترول وشركة الكهرباء الوطنية عن خسائرهما بمئات الملايين من الدنانير بسبب تثبيت الأسعار المحلية بالرغم من ارتفاع الأسـعار العالمية ، وكأن الأردن دولة رفاهية ذات موارد مالية غير محدودة وليس دولة مديونة.
نخشى أن الأمور تذهب بعكس اتجاه السير ، فليست هناك محاولة للعلاج ولكن العمل مستمر لزيادة العيب وتوسيعه ليصل بنا إلى درجـة الأزمة. وطالما أن الحكومة لا تريد أن تتعاطى بالدواء بحجة أنه مر ، فإنها عملياً تدفع المريض للخضوع لعملية جراحية لا تخلو من الخطـورة.
واجب الحكومة أن تتحرك الآن وتفعل كل ما يؤمن مصلحة الشعب الحقيقية وليس فقط ما يرضي الشارع مؤقتاً.
تحذيراتنا من خطـورة اتساع عجـز الموازنة وتضخم المديونية وصلت درجة الإلحـاح ، ولكن لا حياة لمن تنادي؟.
د. فهد الفانك