لكل مجتهد نصيب .. ولكن


قبل نحو خمسة عقود كان الاردنيون ينظرون باعجاب وتقدير عالي المستوى لموظفي القطاع العام، وكان الاكثر بحبوحة في العيش، اما اصحاب الاعمال والمهن الخاصة كانوا الاكثر كدحا والسير في مناكبها كما يقال، ومع التطورات الاقتصادية الاجتماعية ومع تنامي قطاعات الاقتصاد افقيا وعموديا، تحول عشرات ومئآت من اصحاب الاعمال الصغيرة وشبه المتوسطة الى اعمال كبيرة تدر على اصحابها ارباحا كبيرة وانضموا الى نادي اصحاب الملايين، وكما يقال لكل مجتهد نصيب، لكن ما هي التطورات والتغيرات التي شهدها الاقتصاد الاردني والبنية التحتية له خلال تلك العقود؟.

اهل عمان كما في السلط واربد والكرك يعرفون بعضهم البعض فالجميع يعرفون الموسر والكريم وغير الموسر والبخيل الى تلك التصنيفات الاجتماعية والمالية والاقتصادية، وفطر الاردنيون وكل من يعيش على تراب الوطن بالتسامح والتراحم فالموسرون كانوا يقدمون دون تردد طلبا لمرضاة المولى عز وجل، وايمانا بأن للفقير حق في اموالهم من باب الالتزام الديني والوطني والاخلاقي، وكان عمل الخير يتم بالسر والكتمان دونما تكلف او طلب المديح او الثناء او الكتابة في الصحف ووسائل الاعلام.

اما التغييرات في البناء الهيكلي الاجتماعي الاقتصادي والسكاني المصحوب بارتفاع قياسي وشبه متصل للنمو السكاني في عمان التي تعتبر من احدث العواصم في العصر الحديث والاكثر نموا من حيث تعداد السكان، ساهم في نهوض سريع وكبير حتى اصبحت عمان تنافس عواصم حديثة من حيث الخدمات والنظافة ووسائل العيش العصرية، الا ان هذا التقدم ينطوي على اختلالات بعضها معلن وبعضها الآخر مستتر، الا ان الصورة الجميلة الانيقة هي الصفة الغالبة للعاصمة والمملكة بشكل عام برغم حالة الصراع مع متطلبات الحياة والسعي لتحسين مستويات المعيشة والتقدم الى الامام.

وفي العام الفين وما قبله وما بعده وجدنا انفسنا قد شهدنا تحولات كبيرة اجتماعيا واقتصاديا، فقد استطاع صغار الحرفيين ومرافق الخدمات والاعمال المتوسطة ورجال الاعمال توسيع الفارق بينهم وبين المشتغلين في القطاع الحكومي والانشطة العامة والموظفين المدنيين والعسكريين الذين وجدوا انفسهم بالكاد قادرين على تلبية احتياجاتهم، وبدأت مسيرة نزولهم من الطبقة الوسطى الى اصحاب الدخل المحدود، وانضم اليهم اعداد كبيرة من شرائح اجتماعية اخرى.

التغيرات الاقتصادية الاجتماعية امر مألوف في الامم والشعوب والدول لكن المشكلة تكمن في سرعة هذه التغيرات التي جاءت سريعة في الاردن، وان مجموعة السياسات الاقتصادية والمالية لم تقدم نموذجا عصريا وكانت حصيلتها تعزيز اصحاب الاموال وعدم تمكين الفقراء، ان الواقع كرس اصحاب الثروات مع زيادة سماكتها في المجتمع، ورافق ذلك اتساع نطاق الفقر وانحسار الطبقة الوسطي، وهذا يشكل تهديدا على المدى المستقبلي.

صحيح ان لكل مجتهد نصيب ولكن على السياسات الاقتصادية والمالية على المستوى الكلي ان تعيد رسم المنحنى للمرحلة المقبلة لبناء الاردن الذي نريد لا فئة على حساب البقية والوطن.