مناجاة صائم

 


 

ربي.. لا تردني إذا تقطعت الأسباب ، وأتيتك من الظلام ، وأنت الملاذ الأخير ، فنورك يشدني من كل مكان ، وأنا امشي خلف النور ، فلا تحجبه عني فلا أعود أتجمع ، ولا تجعل أخطائي تغلق الطريق فيهزمني الطين ، إن نورك يناديني فأخرج من كل الإنحاء ، اسمع صوت الخلود ، وأمر فوق شاهد مقبرتي ، وأذكر أني سأغادر بعد قليل.

ربي.. إن كل مكان يذكرني بالرحيل فأدق بابك النوراني ، وأذرف دمعي على قلب لا يهدأ ، وروح لا تقرأ لافتة الفناء على ظهرها.

غداً سيأتون إلى اثري الصغير ولن يعرفونني ، فستبكي ذكراي «بدون فائدة» ، ويمرون من قصتي الفانية ولا يعتبرون ، فيا ربي كن لي الملاذ الأخير ، واقبلني إذا أتيتك وعلى قدمي اثر الخطيئة ، فأنا امشي خلف النور ، ولا تسرقني معزوفة الظلام من المشوار الصعب ، وغداً أتصدع، وانهار ككومة من تراب ، وينتهي الحزن .

ما أعذب الحزن عندما يحط في النفس الفانية ، وما أحلى الألم وهو يدك في الجسد الهالك ، فكل الأشياء مربوطة بحبل الزوال ، وتمضي نحو انتهائها ، «وكل شيء هالك إلا وجهه» ، فامنحني من وجهك المبارك مسحة ضياء ، كي أتلاشى بلا خوف ، وأحزن بلا حدود ، كي تهون المصيبة يا ربي اجعلني أمام مرآة النهاية أرى صورتي الفانية فأدب نعي الخسوف على كل المخلوقات.

ويا ربي إذا أتيتك من طريقي فلا تتركني على بوابة اليأس ، فليس لي مكان اذهب إليه ، واجعل لي نهاية عند بابك الكبير ، وامنحني منك الرجاء ، وعندك الانتهاء ، وإذا سويتني مع التراب فلا تدع الشوك ينمو فوقي ، فشوك العمر قتل زهري ، وتلوثت بالأمل ، فخف سيري إليك ، وحملت معي التراب ، ووقفت في طريقي حتى ناديتني فأنقصت وزني ، ونحل جسمي ، وخرجت نحو ندائك الخالد ، ولما انتبهت وجدتني اجيء بيدين خاويتين فاسال ترابي الخجل. لن أتوقف وأنت تناديني ، وأنا قدماي حافيتان ، وخلفي ضجيج العالم ، ونهاية كل شيء ، فاقبلني إذا أتيتك بلا ملامح ، واجعلني أفوز بالقبول من لحظة المثول.

يا ذا الجناب ، افتح الأبواب ، تعب التراب ، وعم العذاب ، والآيب عاد من بعد الغياب ، في ذاتكم ذاب ، قاصداً الاقتراب ، همه «لقى» الأحباب ، العبد تاب..

السالك جاء ، قبل اللقاء ، خوفه داء ، ودواؤه الرجاء ، فافتح الأنحاء والأضواء ، ولا تشمت الأعداء ، واجعل عندك الانتهاء ، يا قابل الدعاء..

خيط نور يبحث عن النور ، هجر الدنيا والدور ، همه رضى الغفور ، والوصل والحضور ، وقبر بين القبور..

إذا جاءك المشتاق ، فلا تغلق الآفاق ، ويكفيه ما ذاق ، من حرقة وفراق ، ومن لوعة واحتراق ، «هو زائل وأنت باق»..

أفضى إلى خالقه أسراره ، وانقطعت عن الناس أخباره ، وأطفأ عقب الشوق ناره ، وفي المدى ضاعت آثاره.