فتح لحماس: لنبحث عن تهدئة مع أنفسنا قبل ان نبحث عن تهدئة مع الاحتلال -

اخبار البلد   

 
بين سراب ووهم مصالحة مرجوة بين حركتي فتح وحماس، وصعود وهبوط فرص تهدئة ملتبسة بين حماس والاحتلال الإسرائيلي، ينتظر الفلسطينيون نتائج جهود أممية ومصرية وقطرية تستهدف استعادة وحدتهم الوطنية وحقوقهم السياسية.

وفي الوقت الذي نجحت فيه أول أمس جهود إنجاز تهدئة جديدة بين حركة حماس وإسرائيل، تراوح فرص التوصل إلى مصالحة بين حركتي حماس وفتح مكانها دون أن يلمس الشارع الفلسطيني أي بارقة أمل حقيقية تجعل من هذا الحلم على مرمى حجر. الناطق الرسمي بلسان حركة فتح د.عاطف أبو سيف، أكد أن المصالحة الوطنية هي الهدف الأسمى والأهم على أجندة حركة فتح. وقال أن التطورات والتحديات التي تحيط بالقضية الوطنية باتت أكثر تهديداً للمصير وأضاف: «نحن جاهزون كما في كل مرة لتقديم ما يجب من أجل الخروج من هذا النفق، لو توفرت تلك الرغبة عند حماس ليس للمناورة بل من أجل الإنجاز سننجح». وأكد أبو سيف جدية حركة فتح في التعاطي مع مساعي مصر لاستعادة الوحدة الوطنية، وقال «سنواصل في حركة فتح هجوم المصالحة، ولكن إن لم يتحقق ذلك عبر هجوم المصالحة سنكون أمام خيارات تكثيف هذا الهجوم أو البحث عن ما يمكن فعله سياسياً من أجل تقويض بنى وهياكل الانقسام»

ويأتي استخدام أبو سيف مصطلح «تقويض بنى وهياكل الانقسام» في إشارة على ما يبدو إلى إجراءات قد يتخذها المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية تقطع الطريق أمام محاولات سلخ قطاع غزة سياسيا عن فلسطين من خلال خطة أمريكية إسرائيلية باتت تعرف بـ«صفقة القرن».

وهو ما أكده الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في مستهل اجتماع اللجنة التنفيذية مطلع الأسبوع المنصرم عندما قال «أن قرارات خطيرة ومصيرية ستتخذها القيادة الفلسطينية خلال شهرين» دون أن يفصح عن طبيعة تلك القرارات.

وفي ذلك يقول الناطق بلسان حركة فتح: «لدينا مخاوف ناتجة عن مؤشرات تفيد بأن حماس كانت (وربما ما زلت) تفضل خيار التهدئة مع الاحتلال على تفعيل مسار المصالحة. هناك أعذار كثيرة، والأعذار عادة لا تعني أن التبرير مقنع».

وتأتي تخوفات حركة فتح من هذا التفضيل بعد أن قامت حركة حماس أكثر من مرة بدعوة حركة فتح وباقي الفصائل إلى جلسة تدارس لملف المصالحة بعد أن تظهر بوادر تعثر جهودها لتحصيل تهدئة من إسرائيل. وهو ما خلق الانطباع لدى فتح وباقي الفصائل أن حماس تقدم الأمر وكأنه هذه أم تلك.

ويقول الناطق بلسان حركة فتح: «قلنا أن المصالحة هي البوابة الحقيقية للعبور نحن شاطئ الأمان. كما أن تجنيب شعبنا ويلات العدوان والمغامرات (الدونكيشوتية) أمر يجب السعي من أجله، ولكن ليس على حساب المصالح العليا لشعبنا وحقوقه السياسية، وليس عبر تحويل واختصار تلك الحقوق بالأزمة الإنسانية في قطاع غزة».

واتهم أبو سيف حركة حماس وبشكل صريح بالسعي وراء تحقيق ما تعتبره مكاسب، عبر تحسين الوضع الإنساني في غزة من خلال مزايا التهدئة ومحاولة مقايضة التهدئة مع الاحتلال بثمن إنساني.

وأضاف «موقفنا أن القضية ليست قضية رغيف خبز ولا قصعة لبن ولا هي حياة رغيدة، بل الاحتلال هو أساس كل المشاكل، فالقضية ليست قصية تهدئة مع الاحتلال، بل قضية حقوق وطنية يجب أن تستعاد ولا يتم ذلك بعقد هدن نقبض شيكها الإنساني وندفع ثمنها السياسي».

وتنظر حركة فتح بكثير من القلق والخوف إلى تضارب التوجهات داخل حركة حماس من قضية المصالحة، وسيطرة تيار يرفض المصالحة على قرارها يدفع باتجاه تعزيز الانفصال وإعلان الإمارة. وقال: «نحن تمنينا أن تثمر هذه اللقاءات عن دفع حقيقي تجاه المصالحة، بمعنى أن تتوحد جهود محبي المصالحة في داخل حماس من غزة ومن الخارج تجاه الموافقة على المقترحات المصرية المتعلقة بتنفيذ اتفاق المصالحة».

لكن يبدو حسب ما تقول حركة فتح ان ما عرض على حماس لم يكن ضمن تصورها لما ستقبل به. مؤكدة وجود تيار قوي داخل حماس يرفض المصالحة، وقادر في كل مرة على تعطيل الأمور.

وفي ذلك يقول أبو سيف «دائما نتمنى أن تتراجع قوة هذا التيار، وهذا شأن حمساوي داخلي، ولكن نريد لتيار المصالحة الضعيف أن يقوى ويستطيع أن يفرض قوته».

وتستغرب حركة فتح من سعي حماس نحو التهدئة مع الاحتلال بعيدا عن الرؤية الوطنية الشاملة للصراع ويقول الناطق بلسانها:» التهدئة لن تكون جريمة، ولكن إن كانت لمقايضة الحقوق السياسية وأن كانت على حساب المصالحة أو للتهرب منها فهي جريمة». وأضاف قائلا:» لا يوجد مصير منفصل لغزة بمعزل عن مجمل المصير الوطني للشعب الفلسطيني. ولا توجد مصائر فلسطينية. بمعنى مصير لغزة منفصل عن مصير الضفة أو شمال الضفة أو القدس أو الشتات أو الداخل، بل هناك قضية وطنية واحدة. وهذا مكمن الخطر في توجهات حماس لعقد هدن وتهدئات خاصة بغزة».

ويتساءل أبو سيف عن مغزى حقيقة ان كل اتفاقيات التهدئة التي وصلت لها حماس مع الاحتلال كانت تتعلق بغزة وحدها.

وقال: «القضية ليست واقعا إنسانيا موجودا. بل هو سياسي بامتياز يتعلق بقضية احتلال فلسطين. وكان من الأجدى والأنفع لهذه القضية أن نبحث عن تهدئة مع أنفسنا المصالحة، قبل ان نبحث عن تهدئة مع الاحتلال».

ويبدو أن أزمة الثقة بين أكبر فصيلين سياسيين فلسطينيين والتي بدأت بعد انقلاب حركة حماس على سلطة الرئيس محمود عباس في حزيران/يونيو 2007 ما زالت تدفع حركة فتح إلى الاصرار على تمكين حكومة الوفاق الوطني التي يترأسها د. رامي الحمد لله، كشرط لن تتراجع عنه كبوابة وحيدة لمصالحة دائمة وشراكة صحية وهو التمكين الذي ترفضه حماس وتعتبره وسيلة لشطبها ومصادرة دورها.

وهو ما يرفضه أبو سيف قائلا: «حركة حماس شيطنت مفهوم التمكين، وجعلته وكأنه احلال مكانها. أولا الحكومة من المنطقي أن تحكم. الطائرة تطير، وان لم تعد قادرة على الطيران لا تعود طائرة. وحين لا تحكم الحكومة تصبح مثل خيال الحقل لا تهش ولا تنش. تيار الممانعة في حماس لا يريد ذلك، بل يريد أن تكون الحكومة صرافا آليا أو مجرد مكتب صرافة في شارع عمر المختار».

وترفض حركة فتح التفسيرات التي تطلقها حماس على مبدأ التمكين. ويقول الناطق بلسانها: «لم ولن نقول في يوم من الأيام مكنوا فتح. واقع الحال في غزة يقول ان مقراتنا سجون وقد سجنت شخصيا في إحداها، ومكاتبنا الإعلامية مصادرة من 12 سنة، وكوادرنا معتقلون بعضهم من 11 سنة، رغم ذلك لا نقول مكنوا فتح. نقول مكنوا الشعب عبر تمكين حكومته. الحكومة يجب ان تصبح قادرة على القيام بمهامها. هذا هو جوهر التمكين. لأنه حين تقوم بمهامها تصبح قادرة على جلب وتنظيم توزيع التمويل الخارجي ووضع خطط تنموية لاستنهاض الوضع في قطاع غزة وصولاً إلى تنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية». وأضاف: «نحن نقول لحماس حكومة الوفاق الوطني برئاسة د. رامي الحمد الله هي ليست حكومة فتح هي حكومة شاركتم في تشكيلها. دعوها تحكم ثم إن قصرت نهجم عليها نحن وأنتم».

انقلاب «حماس» في حزيران/يونيو 2007 على شراكة دشنتها حكومة تتبع حركة فتح في العام 2006 لم ينل من سعي الأخيرة نحو تجربة جديدة من الشراكة السياسية. ويقول الناطق بلسانها د.عاطف أبو سيف: «نحن نؤمن بالشراكة، وكانت الشراكة في طريق الرسوخ لولا انقلاب حماس في حزيران/يونيو 2007. وسنوات حكمها الميليشاوي والذي أذاق الناس الويلات والعذابات. وهي من تتحمل مسؤولية كل ما جرى في قطاع غزة بجانب الاحتلال وحصاره، لأنها هي من كانت تحكم وما زالت».

واتهم أبو سيف حركة حماس بمحاولة فرض شراكة شكلية وبمقاييسها الحزبية عبر الاحتفاظ بمكتسبات الإنقلاب، والاستفادة من ما يمكن أن تجلبه المصالحة من مكاسب.

ولن تتجسد تلك الشراكة في رأي أبو سيف إلا من خلال الوحدة الحقيقية التي لا تنفي التنوع ولا تجرم الاختلاف، الشراكة التي تصبح فيها الانتخابات اللعبة الوحيدة في المدينة وفق تداول السلطة ووحدة الطاقات والاتفاق الشامل على غايات النضال وسبل تحقيق التطلعات.