معركة الغاء الرق والعبودية


تحول الحكم في سورية الى مجموعات من أرتال الدبابات التي تقتحم وتحاصر المدن السورية في انحاء البلاد. ولا يملك الشعب اي قدر من الحماية على حياته سوى الاصرار على صنع اعظم ملاحم الحرية في التاريخ العربي المعاصر.

وبينما تكمن الصعوبة الاساسية في معرفة حجم المذبحة والمذابح شبه اليومية بسبب غياب الشهود (وهنا المقصود وسائل الاعلام الممنوعة من الاقتراب من ساحات الاحداث) فإن الصعوبة الاخرى تتمثل في فهم طبيعة الديكتاتور في حالاتها العربية المتعددة. لقد قدّم الاستبداد نماذج مختلفة من الديكتاتوريين لكن الربيع العربي كشف عن ظاهرة مرضية مشتركة بينهم, انفصال الدكتاتور عن الواقع والاعتقاد بأن الملايين التي تتظاهر ضده في الشوارع هم (شوية عيال) او مجموعة مندسة وضالة.

الديكتاتور يعتقد انه يمثل الشرعية التي تختصر الوطن والشعب في شخصه وفي استثمارات مصالحه الخاصة ولا تحتمل الوقائع المصبوغة بالدم في شوارع المدن العربية المنتفضة ضد القمع والاستبداد عناء البحث في دوافع واسباب اللعبة الدموية الدائرة. فما يجري ليس حرباً اهلية, واشتباكات بين يمين ويسار بين وطنيين ومندسين انما معركة من معارك النضال الانساني لالغاء الرق والعبودية السياسية.

الشعوب العربية التي خرجت عارية الصدر, عزلاء من السلاح تطلب حريتها وانعتاقها لا يجد الديكتاتور ان لها الحق في ذلك. اما صرخات الحشود الجماهيرية كل جمعة فهي في نظره نكران للجميل ولايام حكمه السعيد, واستخفاف بفوائد اطاعته والامتثال لاوامره (السماوية) ومن يخالفها يستحق عقوبة انتزاع الحياة.

في الدول الديمقراطية التي تحترم شعوبها وتقر بحقوق الانسان, وبأن البشر في عالم السياسة مواطنون لا رعايا, تستقيل الحكومات بمجرد خروج مظاهرات واسعة ليوم او يومين. فما بالك ب¯ (صاحب اليمن السعيد) الذي يقيم الملايين من شعبه في الشوارع منذ 7 اشهر ومع ذلك يتحدث عن فضائل تمسكه بالشرعية حتى آخر يمني. وقس عليه ما تشاء من نماذج التنقيب في نفسية الديكتاتور عندما ينعزل عن الواقع.

اطلق السوريون في جمعة الاحتجاج الاخيرة شعارا يخاطبون فيه العرب (صمتكم يقتلنا) وهو توصيف مؤثر يؤذي النفس والضمير, خاصة وانت تسمع بعض النخب والسياسيين الذين يتعاطفون مع الديكتاتورية. وكأني بهم يمنحون الشرعية لمبدأ قمع الشعوب التي تطالب بحريتها وكرامتها في مظاهرات واحتجاجات سلمية.. لم يعد الصمت بريئاً, صمت السياسي والحزبي والمثقف تجاه ما يجري من مذابح بحق الشعب السوري الشقيق.

اما الحكومات العربية التي تقف موقف عدم الاكتراث, فأفضل توصيف لحالتها انها حكومات فاقدة للتوازن مرعوبة الى حد الفزع من صرخات الحرية المدوية في السماء العربية تتخبط في الفوضى والتناقض بالمواقف, لقد اندفعت بحماس وتحت شعارات قومية وانسانية الى تأييد التدخل العسكري الدولي في ليبيا, ثم لاذت بالفرار من مواجهة مسؤولياتها القومية (خاصة الجامعة العربية) امام جسامة الآلام والتضحيات التي يدفعها الشعب السوري وهو في حالة عزلة في دوائر محاصرة من ارتال الدبابات والمدرعات وتحت رحمة هجمات أعوان النظام.

وكأن الجامعة بانتظار تجييش الجيوش الاجنبية للتدخل في سورية كي تخرج من حالة صمت القبور. ألا تستحق الدماء المسفوحة في هذا البلد العربي ضغوطا من الشعوب قبل الحكومات أقلها رفع الصوت بالادانة.


taher.odwan@alarabalyawm.net