صدمة ثلاثية الأبعاد

شلال دماء يسيل في حماة، ووفد أردني "يمسح جوخاً" للنظام السوري، وسلطان الطرب يلمّع حذاء أحد طغاة النظام السوري بقبلة عليه.
أبدأ بالوفد الأردني الذي "ضم نحو 120 شخصاً يمثلون فعاليات سياسية واقتصادية ونقابية وبعض وجهاء العشائر، وقام بوقفة تضامنية مع سورية أمام مقر اتحاد نقابات العمال في العاصمة دمشق، كما جاء في بيانهم الرسمي والخبر الذي وزعوه على الصحافة. ولا أدري إن كانوا عادوا إلى البلاد قبل وقوع مجزرة حماة أم كانوا شهوداً على ما حدث في المدينة التي لم تجف دماء أبنائها ودموع ذويهم من مجازر العام 1982 بعد، وقد عاد الجرح ينزف من جديد منذ فجر الأحد، حيث أفادت المعلومات بأن 136 شخصاً، بينهم 100 في مدينة حماة، قتلوا برصاص الأمن والشبيحة.
الخطاب الذي تحدث به الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي ورئيس الوفد الأردني فؤاد دبور نسخة طبق الأصل من الخطاب السوري الرسمي، حيث قال إن "سورية التي ناضلت وقدمت التضحيات من أجل استعادة حقوق الأمة، ودعمت المقاومات العربية، تدفع اليوم الثمن من جراء مواقفها الوطنية والقومية ورفضها الإملاءات الخارجية ومخططات الهيمنة على الوطن العربي"، مضيفاً أن "سورية تواجه عصابات إرهابية صنعها الاستعمار الأميركي والصهيوني"، مشيرا إلى أن "المؤامرة تستهدف أبناء سورية ووحدة ترابها من أجل خلق ما يسمى بشرق أوسط جديد"، معلناً "الوقوف مع سورية في وجه كل ما تتعرض له"، مؤكداً أن "هذه المؤامرة لن تنال من صمود سورية، وأنها ستخرج من هذه الأزمة أقوى مما كانت عليه في السابق".
حتى لو افترضنا المستحيل (وافتراض المستحيل جائز) بأن الخطاب الرسمي السوري كان صحيحاً من جهة أن هناك مؤامرة كونية على سورية، وكان التضليل الإعلامي من قبل قنوات عربية وغير عربية فيه من المبالغة الشيء الكثير.. فإنه لا شيء يسمح له ولا لأي نظام سلطوي فوق وجه الأرض بأن يحاسب شعبه بهذه الطريقة البشعة بدلاً من المتآمرين عليه، وبذلك نجزم نحن وكل عقلاء الكون بأنه لن يصمد أي حديث عن المقاومة أو دعم للمقاومات العربية، واحتضان اللاجئين العرب، ولا حتى عن حركات التحرر والممانعة.
مشاهد القتل والدم التي ملأت شاشات الفضائيات كانت أقسى مما يتخيل البعض، وعادت لتؤكد أن خيار الحل الأمني والاعتماد على الأساليب القمعية المجرّبة غير قادر على الحسم وإنهاء الحراك الشعبي، وإعادة زرع الخوف والرعب في المجتمع بعد أن تم تجريب هذا الخيار الأمني على أوسع مدى، ودون جدوى خلال أكثر من أربعة شهور.
رسالة حماة الساخنة بالدم كانت قبل يوم من قدوم شهر رمضان، وبعد أن وصلت للنظام معلومات بأن هذا الشهر سيكون الأسخن في الحراك الشعبي السوري، وقد يشهد تغيراً في موقف الكتلة الشعبية الكبيرة (الكتلة السنّية) التي ما يزال قسم كبير منها صامتاً وسلبياً، كما سيشهد تغيراً أيضاً في المناخين العربي والعالمي تجاه ما يحدث في سورية، حيث ما يزال هذا الموقف خجولاً في انتقاد الاستخدام المفرط للعنف في سورية.
الحديث عما يحدث في سورية بالنسبة لنا في الأردن ليس ترفاً صحفياً أو تأثراً نفسياً بما يحدث في جارتنا الشمالية، فنحن أبناء سورية الطبيعية، ووجع الشام وجعنا، ودم أبنائها ليس من فصيلة غير فصيلتنا. لهذا فإن انتقاد موقف الوفد الشعبي واستهجانه يأتي بسبب شلالات الدماء التي تسيل بيد السلطات السورية ثم التعامي عن الحقيقة لصالح أيديولوجية معينة أو منفعة ما، فالعصر الحالي عصر تمرد الشعوب في كثير من أنحاء العالم على حكوماتها وأنظمتها، وإثارة الشكوك حول سياساتها المعلنة‏،‏ وحول نزاهتها وقدراتها على إدارة شؤون الدولة.
صدمتنا الأولى كانت بمجزرة حماة، والثانية برحلة الوفد الأردني، أما الثالثة فلم تكن أقل تأثيراً من سابقتيها على نفوسنا، حيث كانت صورة الفنان جورج وسوف وهو يقبّل حذاء رامي مخلوف ابن خال الرئيس بشار الأسد الأكثر فساداً والأشد طغياناً في سورية.