بين العمة والكنه...شيّخْوا شعيله على العيله

بين العمة والكنه...(شيّخْوا شعيله على العيله)

من محكي جدتي في أيام الكوانين الخوالي التي تعلمنا فيها الإنصات للكبير وتوقيره حينما يكون مشغولاً بإهتمامات الصغير، نتكوم أجساداً هزيلة وكما السقيمة من دون سقم حول المنقل الذي تحولت آخر جمراته إلى رماد مع بقايا دفء صاج المنقل المستطيل ورماده وحرارة أنفاس القاص والمستمعين بلهفة المُشتاق لَمعرفة ما انقطع عنده الخبر في ليلةٍ البارحة مع قول وطار الطير ومسا الخير. 

 تقول جدتي رحمها الله وما تنقطع عن إنجاز شيءٍ ما في يديها من رَثّْيّ ثوب تفتق من طول الزمن وضيق ذات اليد أو إتمام حلقة من حلقات (مِقطف قَصَلْ – مقطف قَشْ) ما تفتأ تُداري (البنورة- فنيار الكاز) بيد الخبير لتُجري التعييّر اللازم لِشُعلة المصباح كي نحصل على أفضل إنارة واقل كمية سناج بأقل كمية كاز وتنقله من مكانه مُداريةً بذلك شقاوتنا كإجراء وقائي كي لا تنكسر البنورة – الفنيار وكي لا يغط الجميع في ظلامٍ دامس وتبدأ عملية إصلاح اقتصادي وتقشف وتقتير يُعاني بسببها ليس الصغير فقط وإنما يُعاني قبله الكبير في سداد مديونية تُصرف على شراء فنيار جديد.

وبدون (كان يا ما كان في قديم الزمان) تقول جدتي: أن(إعجيّز - تصغير كلمة عجوز) كانت على درجة عالية من قوة الشخصية وكأسلوب عيش كان سائداً في المجتمع الأردني والفلسطيني- السوري، حيث تستأثر العجوز الأم الكبرى للعائلة بقرارات التموين وقرارات توزيع الحِصَصْ وقرارات الزواج وربما حتى سياسة الإنجاب في دكتاتورية وطنية حريصة وربما في ظل قانون طوارئ في بعض سنين القحط....تقول أن العجوز قررت تزويج أصغر أبنائها وأقربهم إلى قلبها فوضعت مواصفات وريثة عرشها لتكون خطيبة ابنها الغالي وأهم مواصفة على الإطلاق هي أن تكون تتفق كذبة الخطيبة – ألكنة مع كذبة العجوز ألعمه، فبدأت عملية البحث التي لا تعرف الكلل حتى يئست من العثور على المطلوب، إلا أن إحدى الجارات أََشَرَتْ إلى إحدى البنات في قرية مجاورة فذهبت العجوز لمقابلة المًرشحة وامتحانها، وما أن دخلت مُرحباً بها سألت العجوز الفتاة: أي بنيتي ! لقد ضَعُفَ النظر مني فهل أسعفتني وأوضحت لي ما الذي يمشي في السماء هنالك نحو إصبعي فأنني أجدها بقرة تسعى؟ فأجابتها الفتاة وبسرعة الفطين أن سلامة نظرك أيتها العمة ففي السماء ليس بقرة فقط وإنما ابنتها عجلة صغيرة تلحق بها...ففازت بالخطيب ونجحت في المقابلة.

انتقلت شعيلة بمراسيم زواج إلى بيت الزوجية في مملكة العمة وبدأت العمة تُمارس السلطة المُطلقة عليها وكما على الآخرين بل وأكثر طمعاً في أن تتعلم شعيلة كزوجة الابن المحبوب مِهنة قيادة المراحل القادمة بعد عُمرٍ طويل وحينما تموت العمة.

وفي أحد الأيام أرادت العجوز أن تذهب لزيارة أقاربها في إحدى القرى البعيدة فوضعت جرار الزيت والزيتون ومعقود العنب واللبنية والسمن وكل المونه في وسط الدار وقامت بصب طينه في أرضية الدار حتى تستطيع رصد من يجرؤ على تخطي عتبة الدار ويقتحمها في غيابها ويسرق المونه وكطريقة عالية التقنية لرصد منابع الفساد ومنعه.

ما أن خرجت ألعمه ( زَوّْارةً ) حتى أتت شعيلة بِعِجلَةٍ أليفة وامتطتها ودخلت بيت المونه راكبةًً وفتحت جميع الجرار وأخذت ما أرادت مِنها وخرجت،  وفي المساء عادت العجوز ورأت أن هنالك قضية فساد وان هنالك من سرق المونة فسألت نائبتها شعيلة عن الأمر فقالت شعيلة إن على طينة أرضية الدار آثار مواطئ عِجلة فقالت لها العمة: (الماطى ماطى عجيلة والفعل فعل شعيلة).

وهكذا توالت الأحداث والحيلة والحيلة المُضادة بعد أخرى ومنها وليس حصراً أن العجوز كانت تُعطي لشعيلة حِصتها من الخبز رغيفاً كاملاً وتقول لها وكما حكوماتنا تتعامل معنا: ( مفلوق لا تفلقي وكُلي حتى تشبعي) أي لا يجوز قطع الرغيف فليبقى مستديرا فتقوم شعيلة بِقص الرغيف بشكل دائري من الوسط وتُبقي الأطراف والحواف بشكلها الصامد لتُحافظ على شكل الهيكل العام.

وفي ذات يوم صيفي تحججت العجوز بانه ورد لها خبر مرض أخيها ونزاعه مع الموت ولا بد من زيارته ففهمت شعيلة أن هنالك مكيدة أُخرى فحلفت يميناً غليظاً أن لا تترك عمتها تذهب لوحدها، وفي الطريق حينما ابتعدتا عن الناس أصرت شعيلة على أن تحمل عمتها على ظهرها فانصاعت العمة بسبب التعب من المشي وبسبب حُب ركوب البشر المُتجذر فيها من الطريقة العُرفية في إدارة شئون العيلة ، فحملتها شعيلة وبدأت تبكي حَزنا مفتعلاً على اخو عمتها العجوز وتفقد السيطرة على مشيتها من شدة البكاء والعويل والصراخ والحزن وتسقط على الدرب وتتمايل بين الجدران والصخور على طول الطريق لتصطدم العجوز بها  حتى أردتها في النزاع الأخير، وحينما وصلتا القرية انزلوا العجوز عن ظهر شعيلة وهي لا تكاد تتكلم وجاءوا بالطبيب ففهم همس العجوز وفهم سبب علتها فأشارت شعيلة للطبيب أن أسكت وافعل ما أطلبه منك ولك مني هديةً مُجزيه فسكت وكانت العجوز تهمس همساً ضعيفا لا يسمعه إلا الطبيب والكنه فتقول : ذبحتني شعيلة،.....فتلتقط شعيلة الأمر وتصرخ باكيةً حزناً كذباً وتشويشاً على العجوز كي لا يسمعها الآخرون وتقول بعويلٍ وصراخ يا خسارة...يا خسارة.... عمتي الغالية بسبب غلاوتي عليها توصيكم وتقول: أن شيّْخْوا شعيلة على العيلة.

فهل عرفتم قِصة شعبٍ مسكين ضاع بين العمة والكنة – بين العمة وشعيلة؟ وهل عرفتم قصة شاهين الحزين والجلبي الظنين وآخرين أبرياء مساكين...و.... ؟!... و(الماطى ماطى عجيلة والفعل فعل شعيلة)  وطار الطير ومسّا الخير.

          د. م حكمت القطاونه hekmatqat@yahoo.com     tel:0795482538