قلق الأردنيين مشروع


أستغرب من بعض الأردنيين الذين لا تنتابهم الدهشة لغياب غير مسبوق من قبل رأس الدولة عن وطنه الذي لا وطن له سواه، وليس لديه مسؤولية أكبر أو أكثر مما هي لديه نحو شعبه وعائلته التي ارتضى أن يكون لها وبها وعليها ملكاً دستورياً، منذ أن أقسم اليمين الدستورية أمام ممثلي الشعب الأردني تحت قبة مجلس النواب يوم 7 شباط 1999، وواصل تعهده مع مواصلة عهده، مثلما تواصل موقف الأردنيين، وانحيازهم لنظامهم النيابي الملكي الدستوري، وحفاظاً عليه.
قلق الأردنيين مشروع، ومشروع جداً نحو رأس دولتهم، وهو قلق على أمنهم واستقرارهم وحياتهم ونظامهم، لأنه منهم ولهم وعليهم، فمن هو ذاك الذي لم ينتابه القلق لغياب رأس الدولة، خاصة وأن هنالك من كان يُغذي هذا القلق، بتصدير الافتراءات والأكاذيب والإشاعات المقصودة، أو ادعاء المعرفة قبل غيرهم، أو أكثر من غيرهم، وبعضه صدر من تل أبيب ومن بعض العواصم الأوروبية، والسبب الثاني لم يصدر من قبل الحكومة والناطق بلسانها ما يُطمئن الأردنيين، أن الملك مع أسرته بالإجازة مثل أي إنسان، وفي مكان آمن ويتمتع بما يؤكد أنه متابع للشأن الوطني وأن صلته واتصالاته مع رئيس الحكومة وقادة الأجهزة يومية وتتابعية ومتكاملة، ما هو أهم من ذلك، أن تبادر الحكومة والناطق بلسانها كي تؤكد ما تعرفه الحكومة عن جلالة الملك واتصالاته اليومية برئيسها ؟؟.
تجربة قلق الأردنيين لغياب الملك، لأيام أو لأسابيع بعد جولته في الولايات المتحدة والتي قطعها علناً بحضور المؤتمر الاقتصادي في الصن فالي، تستحق التقدير وليس الاستغراب، لأنها تعكس تماسك الأردنيين وتمسكهم بنظامهم وأمنهم بوعي ووفاء، وهو نفس التماسك والدوافع التي حالت دون تسريب الربيع العربي ومظاهره واحتجاجاته إلى الأردن، فقد وقف الأردنيون سداً وحائطاً وصدوا تسلل الربيع العربي إلى بلدهم وإلى مساماتهم بعد أن تحول الربيع العربي المشروع بدوافعه وأهدافه، إلى خراب دمّر ليبيا وسوريا والعراق واليمن واستنزف مصر، فالأردنيون بأغلبهم مع أهداف الربيع العربي الأربعة : 1- استكمال خطوات الاستقلال السياسي والاقتصادي، 2- توفير العدالة الاجتماعية، 3- تحقيق الديمقراطية، 4- تحرير فلسطين، ولكن بعد تحوله إلى التدمير على يد أحزاب وتنظيمات وهيمنتها وتسلطها، لم يكونوا يرغبون في الهروب من دلف التسلط والأحادية وغياب الخدمات ليقعوا فريسة المزراب الجهادي المتطرف الذي دمر الأخضر واليابس، وتطاول على كل ما هو إيجابي ونبيل في أمتنا العربية، ولدى الإسلام الحنيف.
خوفنا من آثار الخراب العربي، ومنع تسلل العمليات الإرهابية، وإفشال عمليات الخلايا الكامنة، هو نفس مصدر خوفنا على نظامنا السياسي، وعلى رمزه وقيادته ورأسه جلالة الملك، ولهذا قلق الأردنيين مشروع ولن يزول القلق إلا بعد عودة رأس الدولة سالماً معافى إلى حضنه الدستوري الإنساني، إلى الحضن الأردني.