غزة: ترتيبات أم مواجهة؟


نسبت قناة التلفزة الصهيونية العاشرة إلى رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو قوله في لقاء مغلق مع عدد من وزرائه بأنه سيتم التوصل قريبا لترتيبات تفضي إلى تغيير الواقع السياسي والاقتصادي في قطاع غزة، من خلال عودة السلطة لإدارة شؤون القطاع وتنفيذ مشاريع إعادة إعمار.
ويأتي هذا التسريب نقيضا لسياق التهديدات الإسرائيلية ضد غزة، وفي ظل تهديد وزير الحرب الصهيوني بأن تل أبيب ستصعد من حدة ردودها على العمليات التي تنطلق من قطاع غزة، وضمنها الطائرات الورقية المشتعلة.
لكن عند تحليل ما نسب لنتنياهو في التسريب، فإنه يستدل أن التوصل للترتيبات التي يتحدث عنها نتنياهو في النهاية يتوقف على موافقة السلطة الفلسطينية، التي تشكك القناة الصهيونية في انها مستعدة لتولي زمام الأمور في القطاع. ويبدو أن السلطة تتحفظ على العودة لإدارة شؤون القطاع بدون الحصول على ضمانات تحول دون توظيف إسرائيل ذلك في محاصرتها من خلال تحميلها المسؤولية عما يجري في قطاع غزة وضمن ذلك كل أشكال المقاومة التي تعتبرها تل أبيب تهديدا لها. وتعي السلطة أن حركة حماس ستكون أكثر حرصا على الالتزام بالتعهدات، لكنها في المقابل تدرك أن التنظيمات والحركات الأخرى، ولا سيما تلك التي تنسب ذاتها للسلفية الجهادية ستكون أقل التزاما بضبط الأمور. ومن الصعب تصور أن إسرائيل أو الولايات المتحدة يمكن أن تقدم مثل هذه الضمانات للسلطة.
من ناحية ثانية، لم يشر التقرير إلى الشروط التي ظلت تل أبيب تصر على وجوب تحقيقها قبل الموافقة على تحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع، مثل، وجوب إطلاق سراح الأسرى الصهاينة لدى حماس، وسلاح المقاومة. والسؤال الذي يطرح نفسه: لو كان هذا التسريب صحيحا، فهل تراجع الكيان الصهيوني عن شروطه من أجل عدم الانجرار لحرب يعي أنه لن يحقق في أعقابها أهدافا إستراتيجية، أم أن هذه الشروط سيتم تضمينها في إطار صفقة شاملة؟
في الوقت ذاته لا يمكن استبعاد أن يكون هذا التسريب قد جاء في ظل الاستقطاب الداخلي الإسرائيلي، ولا سيما بعدما تبين أن خلافا بين نتنياهو وليبرمان بشأن التعامل مع غزة، حيث إن قناة التلفزة الثانية زعمت أمس أن نتنياهو هو الذي منع الجيش من تنفيذ تعليمات ليبرمان بشن عمل عسكري كبير ضد غزة في 12 يوليو، مع بدء العطلة الصيفية للمدارس، على اعتبار أنه لا يوجد ثمة أهداف إستراتيجية يمكن أن تحققها إسرائيل من شن حملة واسعة على القطاع.
على كل الأحوال، وبغض النظر عن دقة ما نسب لنتنياهو وبغض النظر عن ردود الأطراف المختلفة، فإنه في حال لم يتم التوصل لتسوية تنزع فتيل التوتر الحالي، فإن فرص تفجر تصعيد يقود لمواجهة شاملة باتت كبيرة، تحديدا بسبب السجالات الداخلية الإسرائيلية.
فالبيئة الداخلية الإسرائيلية باتت تضغط بشكل أكبر لشن حرب على قطاع غزة. فالدعوات لشن الحرب لم تعد مقتصرة على نخب اليمين، بل إن نخبا ذات توجهات "يسارية" تكثف من ضغوطها على نتنياهو لشن حرب؛ بعد أن تحولت غزة إلى مادة للتجاذبات الداخلية بين الحكومة والمعارضة في تل أبيب.
فزعيم حزب العمل المعارف آفي جباي هاجم نتنياهو لعدم إقدامه على توفير ظروف تضمن الهدوء على الحدود. في حين أن نخبا أمنية محسوبة على حزب العمل توظف تجربتها العسكرية في المحاججة بأن عملية واسعة على قطاع غزة ليست فقط ممكنة، بل باتت أمر الساعة، كما يزعم الجنرال عاموس يادلين، القائد الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية والجنرال يورام ليفين، الذي سبق له أن شغل منصب نائب رئيس جهاز الموساد.