المتقاعدون العسكريون ... وعمال البوتاس

     جاءتني فكرة الكتابة عن هذا الموضوع ، بعد ان قرأت اليوم ، مقالا للاستاذ خالد المجالي ، رئيس تحرير موقع "كل الاردن" ، وكان بعنوان "  هل يتم انصاف المتقاعدين العسكريين قبل العيد ؟ " ، ويشير فيه الى التباين الكبير في الراتب التقاعدي بين ابناء الجيش العربي ، بفارق سنوات معدودة بين زمن التقاعد ، وهو نفس الحال الذي سوف نعيشه في البوتاس ، في ظل التباين بين رواتب العاملين ، على اسس غير منطقية وغير عادلة ، حيث سيعيش مئات العاملين حاليا في البوتاس هذه المعاناة ، بعد سنوات معدودة ، حين يحين موعد التقاعد ، وكل ذلك بسبب غياب العدالة ، في تعديل الرواتب الذي تم عام 2008 ، والذي اصبح نعمة للبعض ، ونقمة للبعض الاخر .  

     اعتقد ان هذه المقارنة ربما تكون ظالمة ، فهناك فروق شاسعة بين الحالتين ، فالجيش العربي هو مضرب المثل في الاردن لكل المؤسسات ، بعدالة التعامل مع ابنائه اثناء خدمتهم وبعد تقاعدهم ، والانتساب للجيش العربي ، هو تجسيد للانتماء الوطني اكثر من كونه مهنة ، فلن تجد في طول الاردن وعرضه ، متقاعد عسكري واحد ، الا ويحدثك عن خدمته بالجيش العربي بكل الفخر والاعتزاز ، ولم اسمع من اي واحد منهم اي تذمر او شكوى ، تتعلق بانتقاص حق من حقوقه ، فالعدالة دائما تسود ، وكم تفاءل العاملون في الشركات ، حين يتم تعيين مدير لها ذو خلفية عسكرية ، ويعتبرون ان العدالة قادمة ، فخريج مدرسة الجيش العربي ، لا يعرف الا العدالة ، وما هذا العارض الذي طرأ في السنوات الاخيرة ، واخل بالتقارب بقيمة الراتب التقاعدي ، الا محاولة لانصاف منتسبي الجيش العربي ، وتحسين مستوى معيشتهم وعائلاتهم ، انها خطوة للافضل ، لكنها لم تكتمل ، لتشمل قدامى المتقاعدين ، ونحن على ثقة ، انه سيتم معالجة الخلل ، في اقرب وقت .    

     اما في البوتاس ، فالوضع مختلف جدا ، هناك ثلاث فئات من العاملين ، فئة الذين تم تعيينهم قبل 1/7/1986 وهم يتقاضون مكافأة نهاية خدمة ، تتراوح قيمتها بين المئة الف والنصف مليون دينار ، وهولاء ، وبغض النظر عن الزيادة في الراتب ، التي تقاضوها بعد تعديل الرواتب عام 2008 ، هم الافضل وضعا ، والفئة الثانية ، هي الحديثة العهد في التعيين ، فجاء تعديل الرواتب ليضاعف رواتب بعضهم ، وما زال امامهم عشرات السنين ، حتى يحين موعد التقاعد ، لينالوا المزيد من المكتسبات ، اما الفئة المنقوصة الحقوق ، فهي تشمل مئات العاملين ، الذين تم تعيينهم بعد 1/7/1986 ، حيث توقف منح مكافأة نهاية الخدمة ، للذين تم تعيينهم بعد هذا التاريخ ، وقد امضوا في الشركة ما يقارب الربع قرن من الزمن ، وهم الذين عاشوا اقسى ظروف العمل ، قبل ان ياتي العاملون الجدد ، ليجدوها ميسرة لهم ، وهولاء تم ظلمهم بعدم احتساب الخبرة الطويلة .

      فعند تعديل الرواتب عام 2008 ، تفتقت عبقرية من تولى هذا الامر ، في ادارة الموارد البشرية ذلك العام ، على الاخذ بالمسمى الوظيفي كمعيار وحيد ، فمن كان رئيس قسم منذ 15 عاما ، ومن حمل نفس المسمى منذ اشهر فقط ، يستحقون نفس الراتب ، وهكذا تم شطب اهمية الخبرة ، ولا نود الاشارة ، الى ظروف العمل القاسية ، التي نال فيها هذه الخبرة ، بالاضافة الى التلاعب حتى بهذه المعايير ، فرئيس القسم الفلاني لم ينل نفس زيادة رئيس القسم العلاني ، رغم كونهما بنفس العمل الميداني ، ويتعرضون لنفس المخاطر ، كما كانت العلاقات الشخصية مع مدير الموارد البشرية ، هي العامل الحاسم في تحديد المكاسب ، ولا ننسى التدخل السلبي ، لنقابة المناجم والتعدين ، ودورها في تحقيق المكاسب لاعضائها والمساندين لهم ، فقد كان خطأ الادارة الكندية ، انها طلبت موافقة النقابة  على سلم الرواتب الجديد ، وفسحت المجال لهم لمثل هذه الممارسات ، ولا يجوز ان ننسى ايضا ، ما قامت به بعض الادارات العربية ، من تحجيم لدور البعض ، وتعظيم لدور اخرين ، على اسس شخصية بحتة ، بحيث تبرر شرعية مكتسبات ذوي الحظوة لديهم ، كما تبرر تحجيم دور الاخرين ، ممن لا يتلاقون معهم في الميول الطائفية والاقليمية والفئوية والعشائرية ، وغيرها من الآفات التي تعيشها مجتمعاتنا العربية .

     اننا نأمل من ادارة الموارد البشرية الحالية ، في شركة البوتاس العربية ، وهي التي تلمست الطريق جيدا ، واخذت على عاتقها تصحيح الاوضاع الشاذة ، ان تاخذ هذه الاختلالات جميعها بعين الاعتبار ،  ولنا كل الثقة برغبتها في ذلك ، وقدرتها على تحقيقه ، وندعو كل الزملاء في البوتاس ، الى العودة لادارتهم ، وادارتهم فقط ، والثقة بادارة الموارد البشرية الحالية ، والتعاون معها في سبيل رفعة شركتنا وتقدمها ، وقطع الطريق على كل الانتهازيين والمصلحيين ، الذين يدعون الغيرة على مصالح العمال ، والانتماء لطبقتهم ، وهم في الحقيقة لا ينتمون الا لمصالحهم الشخصية ، ولا يسعون الا للتكسب على حساب العمال ، وممارسة الابتزاز باسمهم .

 

مالك نصراوين

m_nasrawin@yahoo.com

01/08/2011