ما بعد هلسنكي

نجح الأميركيون في مؤتمر هلسنكي في فرض وضمان أمن « المستعمرة الإسرائيلية « على جدول لقاء ترامب مع بوتين ونتائج أعماله، مقابل تراجع واشنطن في العمل على إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد وتغييره وعدم المس به، معادلة فاقعة لا تحتاج للتوقف والنقاش، ذلك أن البديل الذي راهن عليه الأميركيون والأوروبيون والأتراك والخليجيون هو أسوأ بما لا يقاس مع عدم ديمقراطية النظام السوري وأحاديته، ولكن صموده وثبات تماسك مؤسساته كان الفعل الأول قبل دعم إيران وحزب الله له، مما سبب نجاحه في إحباط المعارضة المسلحة وهزيمتها أو كادت.

وهكذا نجحت موسكو اعتماداً على فعل العامل السوري في هلسنكي، ونجحت واشنطن اعتماداً على دور وقوة المستعمرة الإسرائيلية، وفشلت فلسطين في أن تكون حاضرة لأن حركتها السياسية مهمشة، لا فتح لها دور كفاحي مرصود ولا حماس واصلت ما كانت تفعله، رهان فتح على عامل المفاوضات أوصلها إلى الهامش الصفري، ولم يدرك رئيسها أن مفاوضات أوسلو اليتيمة جاءت حصيلة الإنتفاضة الأولى وبسالتها، وشارون رحل عن قطاع غزة بعد أن فكفك المستوطنات وإزالة قواعد جيش الاحتلال حصيلة الإنتفاضة الثانية، بينما حماس فقدت عاملي تفوقها وهما أولاً دورها الكفاحي في توجيه ضربات موجعة للعدو، وثانياً إنحياز الأغلبية الفلسطينية لها في إنتخابات المجلس التشريعي في 25/1/2006، ولكن فعلها المشين بالإنقلاب في 14 حزيران 2007، أعطاها إدارة قطاع غزة منفردة، وأفقدها دورها الكفاحي المبادر، فجاع أهل القطاع وتحملوا تبعات ثلاثة حروب همجية شنها العدو الإسرائيلي 2008 و 2012 و2014، أدت إلى فرض التهدئة الأمنية عليها مرغمة بوساطة مصرية الأولى في عهد مرسي يوم 21/10/2012، والثانية في عهد السيسي يوم 26/8/2014، ومازال يتجدد على نفس الأرضية والشروط لدى كل مواجهة محتملة.

ولكن على الرغم من الضعف الفلسطيني وتشتيت أولوياته، وغرق قياداته الفتحاوية والحمساوية لأن يكونوا أسرى العمل الوظيفي والراتب، وكلاهما يخدم أمن العدو الإسرائيلي، عبر التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب، حفاظاً على رؤوس قيادات فتح وحماس من الاغتيال والتصفية، وحفاظاً على رواتب آخر الشهر، تحولوا ليكونوا جزءاً من النظام العربي : نظام كامب ديفيد ووادي عربة والرياض الثلاثي ( أيار 2017 )، رغم ذلك، مازالت فتح ومعها حماس صامدتان في مواجهة خطة ترامب نتنياهو التي يعمل على تمريرها كوشنير وجرينبلات، وهو العامل الأول والأقوى لإحباط مشروع تصفية القضية الفلسطينية بإمتداداتها الثلاثة : 1- المساواة لفلسطيني مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة، 2- الإستقلال لفلسطيني مناطق الإحتلال الثانية عام 1967، أبناء الضفة والقدس والقطاع، 3 – العودة للاجئين إلى المدن والقرى التي طردوا منها إلى اللد والرملة ويافا وعكا وحيفا وصفد وبئر السبع واستعادة ممتلكاتهم منها وفيها وعليها.

ثمة عوامل إضافية مستجدة يمكن إضافتها لعامل الصمود الفلسطيني تتمثل بالإسناد الأردني والمصري، استعادة سوريا لتماسكها ووحدتها ونهوض نظامها وطنياً وقومياً، وأخيراً إنهاء حالة الإنقسام وقيام الوحدة الوطنية بين الضفة والقطاع بين فتح وحماس وهو ما تفعله القاهرة حالياً، عوامل يمكن توظيفها جيداً إذا تمت مع فعل جماهيري مدني سلمي متواصل وحاشد سيفرض على العدو التراجع، كما تراجع إسحق رابين بفعل الانتفاضة الأولى، وتراجع شارون بفعل الانتفاضة الثانية، فهل تدرك قيادات فتح وحماس قبل فوات الوقت المأزوم ؟؟.