دائرة المحتسب العام يا دولة الرئيس..!
لا تستطيع أي حكومة أن تُقنع الناس بأنها تسير على طريق الإصلاح ما لم تُقدّم برامج عمليّة لإصلاحاتها تكون واثقة منها ومن نجاعتها ومن قدرتها أيضاً على تنفيذها، ولا تكون مقنعة للرأي العام فحسب، وإنما يُحسّ بها الناس عندما تبدأ الحكومة بتنفيذها ويثقون بأنها تصبّ في الصالح العام بوضوح تام.
من هنا وكون مجتمعنا عانى معاناة قاسية من حالةٍ ضبابية حيناً ورماديةٍ حيناً آخر، ولم يشهد حكومة إصلاحية حقيقية منذ عقود عديدة، لا بل ولم يقتنع بما كانت تقوله الحكومات المتعاقبة وتقطعه على نفسها من وعود وتعهّدات بالإصلاح، فإن الفكرة التي سأطرحها اليوم والتي قد تُضْحِك البعض، وقد تكون مثار سخرية من البعض، وقد يشعر بأهميتها وجدّيتها ونجاعتها فئة قليلة، هذه الفكرة، التي لن أدخل في تفاصيلها الدقيقة، تتمثل في خطوة إصلاحية عملية كبيرة جداً، وهي إعادة هيكلة ودمج بعض مؤسسات الدولة الرقابية والمسؤولة عن سير النظام العام وضبط الالتزام بالتشريعات في الدولة بصورة سلسة وسليمة ومستدامة وقوية وصارمة، لتشكيل ما يمكن أن نطلق عليها الهيئة العامة الأردنية للحسبة، أو دائرة المُحتسِب العام، ترتبط ارتباطاً مباشراً ووثيقاً برئيس الحكومة، وتُعطى صلاحيات قانونية وتنظيمية واسعة، وتكون مسؤولة عن ضبط إيقاع المجتمع ووقف أي تجاوزات على النظام العام، أو أي اختراقات للقوانين والأنظمة واللوائح التنظيمية في الدولة سواء أكان ذلك في المؤسسات، أو الدوائر العامة والخاصّة أو في الشارع أو المرافق العامة أو الأسواق، كما تكون لها سلطات توجيهية على الحكّام الإداريين ومديري المؤسسات والدوائر الرسمية وشبه الرسمية وكذلك الدوائر الأمنية في المحافظات والمدن للمساعدة في إنجاز مهامّها بدقة ونجاح، وتمتد صلاحياتها لتشمل رقابة الأسعار والتجّار واستخدام المرافق العامة من شوارع وطرقات وأسواق وأزقّة وحارات وحدائق ومتنزّهات، والمرور ووسائط النقل العامة والخاصة، والمقاهي والمطاعم وصالات المناسبات، وأعمال البلديّات وخدماتها، وظروف البيئة، وسلامة الغذاء والدواء، وضمان الحريات الفردية والعامة دون المساس بحقوق الآخرين، وضمان طُمأنينة الناس وحُسن استخدام كافة المرافق العامة في الدولة.
أقدّم هذا المقترح، لقناعتي بأن الكثير من حالة الغضب وعدم الرضا الشعبي، والعنف المجتمعي، وفقدان الثقة ما بين الشعب والحكومات الأردنية ناتج عمّا يشهده الناس بصورة يومية من استقواء على النظام العام، واختراق للقوانين، وسلطويّة فئات مجتمعية على غيرها، وتهاون في تطبيق القانون على الجميع دون تمييز، وجميعه أرخى بظلال قاتمة على العقد الاجتماعي بين الناس ودولتهم، حتى لم تعد معه العلاقة التي أسّسها العقد واضحة، لا بل غدت تشوبها الريبة والتوجّس، ما أثّر بشكل واضح على انتماء المواطن وولائه للنظام السياسي وللدولة، وبالتالي تَرَكّ أثراً سلبياً واضحاً على التنمية الشاملة وأخذ يُهدّد مستقبل التنمية المستدامة في الدولة..!
آمل أن تدرس حكومة الدكتور عمر الرزاز هذه الفكرة من كافة جوانبها القانونية والاجتماعية والأمنية والاقتصادية والسياسية، مع إدراكي لصعوبة تطبيقها وما تحتاجه من عمل وتخطيط وقوننة والدخول في تفاصيل كثيرة جداً، لكن الإرادة تسبق هذا كله ويمكن أن تُخْرِج الفكرة إلى النور..!
Subaihi_99@yahoo.com