مخاطر غياب الأمل!



في الحِكم الكثيرة التي نتناقلها عبر أحاديثنا ومراسلاتنا الإلكترونية وإعلامنا، نسعى على الدوام إلى تعظيم الأمل وتأثيره كخيط نجاة نلجأ إليه حين تبدأ الصورة بالذهاب إلى القتامة.

في الأمور الفردية والجماعية، يبدو كما لو أنه حل سحري قادر على تبديد اليأس. فهو دائما يمنح هدفا وطريقا لكي يسلكها أحدنا للخروج من حالة قنوط نحو إنجاز، أو على أقل تقدير، نحو تشبث بالقدرة على إدراك ذلك الإنجاز.

الأسبوع الماضي، شاهدت بعيني كيف يمكن للتشبث بالأمل أن يكون عظيما وملهما. أكثر من 800 شابة وشاب زحفوا إلى مؤسسة عبد الحميد شومان من أجل الالتقاء بمعجزة الرياضيات الشاب البريطاني العبقري أران فيرنانديز، والاستماع إلى تجربته وشغفه في تطويع الأرقام، وهو الذي دخل جامعة كامبردج في سن 15 عاما، عارضا تجربته في التعلم من البيت، وإحرازه شهادة الثانوية في سن الخامسة، وتسجيله أعلى علامات ممكنة في الرياضيات والفيزياء واللغة الفرنسية والأدب الإنجليزي.

الحضور الكثيف للمحاضرة كان مصدر استغراب من قبل كثيرين، وهو كما عبرت عنه الرئيسة التنفيذية للمؤسسة، فالنتينا قسيسية، يتأتى من أن فيرنانديز يختص بعلم نظري جامد يتعامل مع الأرقام، وهو ليس نجما على وسائل الإعلام، ومعروفا فقط في دوائر الأكاديميا، فلماذا أصر الشباب الأردني على الالتقاء به والاستماع إليه!

العدد الكبير للجمهور جعل من الفعالية ظاهرة بجميع أركانها، خصوصا أولئك الذين ألحوا في طرح الأسئلة حول الجوانب المهمة في حياة الضيف، أو الذين وقفوا معه وتحدثوا مطولا بعد انتهاء المحاضرة.

الإجابة تكمن ببساطة في مفهوم "البحث عن أنموذج للاحتذاء". ففي سن معينة يريد الشاب أن يتخذ مثالا عاليا له، أو بطلا يركن إلى أنه شخصية مبهرة حققت النجاح رغم ما اعترضها من ظروف، وهو يريد أن يستلهم هذا النموذج في حياته. هذا المفهوم يجب أن يكون مركزيا في عقل الإدارات التي تتعامل مع الشباب، لكي تخلق لديهم الشغف.

لكن، من جهة أخرى، يحق لنا أن نسأل بصدق: لماذا عجزنا نحن عن أن نخلق مثل هذا النموذج؟ وأين يكمن الخلل؛ في وجود الطاقات الخلاقة، أم في غياب السياسات والدعم؟

لا يمكن أن يكون صحيحا القول إنه ما من شباب أردني سجلوا إنجازات مهمة، فهناك عشرات الظواهر التي يمكن لنا أن نسوقها لتصبح نماذج يحتذى بها على الصعيدين المحلي والإقليمي. لكن المعضلة الأساسية تكمن في غياب الدعم لهؤلاء، وأيضا في غياب استراتيجيات التسويق الناجحة لهم، ما يؤدي بالتالي إلى أحد أمرين: إما أن يقرروا ترك البلد والبحث عن الاستمرار في مكان آخر، أو الانطفاء والركون إلى اليأس، وبالتالي فقدان الشغف الذي يحركهم للإنجاز.

في جميع أوجه الإبداع، ظلت المؤسسات الأردنية دائما عاجزة عن صناعة النجوم؛ في الفن والكتابة والسياسة والدبلوماسية والعلوم والأكاديميا، بينما تتسابق كثير من البلدان على استقطاب الكفاءات المحلية. إنها معادلة محبطة يمكن أن تقتل الأمل!