النواب وماراثون الثقة



يبدو أن ماراثون الثقة في مجلس النواب الأردني، ضرب رقماً قياسياً هذا العام بالمقارنة مع خطابات الثقة السابقة، ويبدو أن رئيس الحكومة كان ميالاً لأن يتكلم جميع النواب ويقولوا ما في صدورهم وأن يأخذ كل واحد منهم الوقت الكافي، ويبدو أن دولته هيأ نفسه من حيث طول البال وسعة الصدر على الانصات والمتابعة من أجل استيعاب بعض الغضب والتوتر وبعض النزق والتعصب في ابداء الملاحظات وتوجيه الاسئلة وإعداد قوائم الطلبات الطويلة.
بعض النواب أبدى ملاحظات دقيقة وذكية، ولمس جوانب مهمة سواء على صعيد التشكيل الوزاري، أو في مضامين الخطاب الوزاري، ويتكلم بايجاز ووضوح وجمل مفيدة، فهؤلاء يستحقون الاحترام والتقدير، وفي مقابل ذلك هناك من لم يحسن العرض ولا الطلب، وبعضهم وصل إلى حد الخروج على الأعراف المرعية وسمات المجلس العام.
فمن كان جل اهتمامه بالقضايا الوطنية العامة، ومن كان تركيزه على المصالح العليا للشعب والدولة فهذا نستطيع أن نسميه نائب وطن حقيقيا، لأنه ابتعد عن الأجندات الشخصية والمصالح الفئوية الضيقة، وانطلق في نقده ومعارضته من رؤية للحق والصواب فإنه يستحق احترام الجمهور الأردني رغم الاختلاف في التوجهات الفكرية والأيدولوجية، ومن ذهب الى المحاصصة والمصالح الضيقة والطلبات الصغيرة فهو لم يستطع ان يأخذ لقب نائب وطن ولم يكن معنيا بمتابعة المواطن الاردني.
ولذلك اتضح من خلال هذا الماراثون بعض الأمور المهمة والتي تستحق التوافق عليها بين الأحزاب والقوى السياسية والمجتمعية والأطراف الحكومية والرسمية فيما يتعلق بالنظرة القادمة لمجلس النواب وطريقة اختياره، وطريقة فرز النواب من خلال مشروع جديد للانتخابات؛ الذي يعد حجر الرحى في العملية السياسية برمتها، لأن قانون الانتخابات يحدد معالم المجلس الذي يمثل السلطة التشريعية المنبثقة من رحم الشعب، فالمجلس ينبغي أن يمثل التوجهات السياسية للشعب الأردني بالدرجة الأولى، وهذا يقتضي مساعدة الجماهير على تأطير نفسها عبر برامج سياسية واضحة المبادئ والقواعد والأهداف والغايات والمنطلقات.
ليس معقولاً ونحن نحتفل بمرور (100) عام على تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، وما زالت مجالس النواب لدينا لا تتشكل عبر التنافس بين البرامج السياسية بل مازالت تتشكل عبر التنافس بين الانتماءات الضيقة التي تنعكس واضحة في الكلمات وفي طريقة الخطاب وفي طريقة التأييد والمعارضة، القائمة على منطق المحاصصة المغرق في التخلف والجاهلية والذي تجاوزته معظم شعوب العالم.
ليس أمامنا فرصة للتقدم والاصلاح الحقيقي إلاّ بمغادرة مربعات التعصب ومنطق المحاصصة السياسية والانتقال نحو مرحلة التحضر والتحديث التي تبدأ بسلامة طريقة الفرز والتمثيل الصحيح القائم على معايير الكفاءة والأمانة والقوة والرشد والحفظ والعلم والقدرة على تقديم المصلحة العامة وخدمة الأمة والوطن بروح التضحية والمسؤولية العالية.