هل المعارضة أقرب طريق إلى السلطة؟ (3-3)

اخبار البلد 

 
وفّر مناخُ المصالحة الوطنية دعما كبيرا للنظام السياسي، مكّنه من تحمل تبعات الضغط الهائل، الاقتصادي والسياسي الذي نجم عن قرار الملك الحسين يرحمه الله بانحيازه الى الحل العربي- العربي، لتحقيق انسحاب العراق، الذي استدرجته السفيرة الامريكية غلاسبي لغزو الكويت، بدلا من الانضواء في الحملة الامريكية ضد العراق، المشهورة باسم «حفر الباطن».
لقد سخّر الملكُ الحسين المعارضةَ الأردنية، واستقوى بها، ومارس جدلية وتناوب «توزيع الأدوار» معها، بمهارة سياسية إبداعية لا تضاهى. وخاصة مع تنظيم الاخوان المسلمين، مكنته من الحفاظ على جبهة داخلية متماسكة، رغم الأوضاع الاقتصادية المضطربة الناجمة عن الحصار الخانق الاقتصادي والسياسي المضروب على الأردن بصفته من «دول الضد».
في الحُكم والشارع الأردنيين، رشدٌ بالغٌ يعتبر المعارضة موقفا اخلاقيا دستوريا حضاريا ثقافيا، من ضرورات الحكم الرشيد وأساسياته وبدهياته. ويعتبره علامة كرامة ووعي وحيوية شعب.
وفي السجل الوطني ان المعارضين الأردنيين دفعوا ثمن قناعاتهم الباهظ، دون تردد وبإقدام ووعي. والملفت انهم رغم السجون لم يصبحوا حاقدين على بلادهم:
يعقوب زيادين، عيسى مدانات، عبدالرحمن شقير، محمود الموسى العبيدات، حمدي مطر،عبدالعزيز العطي، سالم النحاس، عرفات الأشهب، تيسير الزبري، هاشم غرايبة، حمدان الهواري، حمادة فراعنة، ناهض حتر، ياسين الطراونة، عبدالله الهواري، سمير الحباشنة وميشيل وجميل النمري.
وكما انتقل معارضون الى صفوف السلطة والموالاة، فقد انتقل موالون الى صفوف المعارضة. وحالة مدير المخابرات الأسبق احمد عبيدات، نموذج على ذلك التحول وعلى القبول الشعبي به والموافقة على قيادته!!
لقد بدأ مبكرا، الانفتاحُ السياسي الأردني بين القصر والمعارضة. وتجلّى ذلك حين كلف الملك الحسين، ملك الحداثة والحكمة والحنكة، زعيمَ المعارضة السياسية المرحوم سليمان النابلسي، بتشكيل حكومة إئتلافية حزبية قومية ديمقراطية (تشرين الأول 1956- نيسان 1957)، ضمت «قرامي» رجالات الوطن والمعارضة من الضفتين، مثل شفيق ارشيدات وعبد الحليم النمر وعبد الله الريماوي وأنور الخطيب ونعيم عبد الهادي وسمعان داود وصالح المجالي وصالح المعشر وعبد القادر الصالح.
وكما في الاردن، فقد تم الانفتاحُ والانفراج في المغرب، حين كلّف الملكُ الحسن الثاني يرحمه الله، المحامي عبد الرحمن اليوسفي، المعارض الاشتراكي، المحكوم بالإعدام برئاسة الحكومة (4 شباط 1998 - 9 تشرين الأول 2002). في تجربة ثمينة تبعها لاحقا اغلاق ملف «سنوات الرصاص» بين العرش والمعارضة، من خلال هيئة الانصاف والمصالحة، التي أعطت فرصة لضحايا الانتهاكات للتعبير، على شاشة التلفزيون والاذاعة المغربية، عما تعرضوا له من تنكيل وتعذيب وإهدار للكرامة، وما تعرض له ذووهم من أضرار جسيمة مادية ومعنوية، في الفترة من 1956 إلى الفترة 1999.