خرج ولم يعد

اخبار البلد 

 
منذ فترة، وأنا أقرأ على المواقع خبرا مرفقا بصورة عن شخص خرج ولم يعد ..وأسأل نفسي: هل المطلوب من كل شخص خرج من منزله أن يعود ..في ذات السياق أقرأ أخبارا متعلقة بعثور الأمن على الشخص الذي خرج ولم يعد . أتذكر أني حين كنت طالبا في الجامعة خرجت مع رفاقي في الكلية إلى سوريا، فقد نظمنا رحلة..مكثنا أسبوعا كاملا في الشام، وقد نفذت منا النقود هناك..لكننا عدنا إلى عمان في (بكم خضرة)..والغريب أن أحدا لم يفقدني، ولم ينشروا صورنا في الصحف..ولم يقولوا (عبدالهادي خرج ولم يعد)...كل ما في الأمر أني صادفت أبي على باب المنزل، بعد أسبوع كامل من الغياب وقال لي : (وين كاين داير ) . وذات مرة في منتصف التسعينيات أرسلتني صحيفتي إلى العقبة كي أغطي أخبار الزلازل هناك، كان مقررا أن أمضي فترة قصيرة من الوقت لكني مكثت أكثر من أسبوعين هناك، فقد تعرفت...على اصدقاء نشامى وكتبت تقريرا يوحي بالخبث مفاده أن ما حدث في العقبة لم يكن زلزالا، بل تجربة نووية إسرائيلية أجريت في النقب، والناس صدقتني ..وحملنا إسرائيل مسؤولية ما حدث..لم يسأل أحد عني..تخيلوا، حتى صحيفتي ذاتها لم
تسأل..وحبيبتي هي الأخرى لم تسأل..وحين عدت اكتشفت أنها (خطبت) سائق تكسي..وبررت خيانتها بالقول : (فكرتك في السجن) ... على ذكر السجن، أيضا أمضيت أياما في زنزانة إنفرادية ..كانت الوجبات (فاصوليا بيضاء)..وأنا اعترف أنهم أيضا كانوا يوزعون علينا (مفركة) على العشاء..وحين خرجت، تركوني في الشارع، وبالصدفة وجدت (تكسي) وأخبرته أن ينطلق بي إلى أبو نصير، كانت لحيتي غزيرة وشعري طويل، وشكلي يوحي بكارثة محققة..يومها تجرأ سائق التكسي وسألني فأجبته : ( كان عندي صبة..وهساع خلصت)..فعاد بالسؤال : (الأخ طوبرجي) ..أجبته : نعم . غبت كثيرا عن المنزل ولم أشاهد صورة لي مع خبر يفيد بأني خرجت ولم أعد ... ما يحزنني حين أقرأ هذه الأخبار، هو أمي فقد خرجت معي إلى المستشفى، ذات يوم ..كنت أظنها ستعود معي أيضا لكنها لم تعد نهائيا لقد ماتت ..وأنا منذ ذلك التاريخ أيضا لم أعد، صرت مجرد ركام أنتج منه الحزن مقالات تنشر على ورق الجرائد . خرج ولم يعد .