الاقتراض بكفالة الحكومة



الالتفاف حول الموازنة العامة له طرق كثيرة وإن لم تكن قانونية، فوزير المالية يستطيع أن يؤجل الدفع المستحق للمقاولين والموردين الذين قدموا مطالبات صحيحـة، وبذلك يظهر النفقـات العامة والعجز بقيمة تقل عن الواقع، وهـذا أسلوب حبله قصيـر، فالمطالبات سـتدفع أولاً وأخيراً في شـهور قادمة.

ومن الطرق الأخرى الأكثر خطورة أن لا تغطي الحكومة نقـداً خسائر المؤسسات التابعة لها، بما في ذلك الخسائر الناشئة عن سياسة تسعير حكومية غير اقتصادية، وتلجأ إلى كفالتهـا لدى البنوك لتحصل على سـيولة تسـدد منها التزاماتها. وبهـذه الطريقة لا تقيد وزارة الماليـة المبلغ ضمـن النفقات العامة.

هـذه الطريقة في الالتفاف حـول الموازنة وإظهارها على غير حقيقتها تخالف الدستور الذي ينص على أن الاتفاقات التي يترتب عليهـا تحميل خزانة الدولة شـيئاً من النفقات لا تكون نافـذة إلا إذا وافق عليها مجلس الأمة، وهـذا ينطبق على الكفالـة التي ترتب على الخزينة ليس فقـط قيمة القرض بل الفوائـد السنوية أيضاً، فهل تأكدت البنوك المكفولـة من استيفاء الشرط الدسـتوري للكفالـة.

بهذه الطريقة يكون قـد تم إعفاء الموازنة من الاعتراف بالنفقة، وإظهار القـرض ضمن مديونيـة المؤسسات العامة ذات الموازنات المسـتقلة بدلاً من مديونية الخزينة نفسـها.

في توضيح وزارة المالية «إن أي نفقات إضافية اسـتثنائية قد نضطر لها تخص الدعم للمشـتقات النفطية أو السلع الأساسـية أو غيرها لن يتم التعامل معها إلا بعد تغطيتها من خلال الحصول على مساعدات إضافية تضمن لنا الالتزام بالعجـز المقدر في الموازنة والبالغ 1160 مليـون دينار بمعنى أنه لـن يتم الشروع بالإنفـاق (الدفـع!) قبل تأمين مصـدر التمويل وبما لا يؤثر على العجـز المقـرر».

هـذا تصريح واضح فعلاً فالحكومة تسـمح لنفسـها بترتيب التزامات مالية ليس لها مخصصات في الموازنة، شريطة أن لا تسدد للمستحقين إلا من مساعدات خارجية منتظـرة، ولهذا فإن شـركات الأدوية تطالب الوزارة بمبلغ 150 مليون دينار ثمن أدوية، ويطالب المقاولون بمبلغ 57 مليون دينار قيمة أعمال منفـذه لحساب الحكومة، أما مطالبات مصفـاة البترول والوطنيـة للكهرباء فتحسب بمئات الملايين من الدنانير.

من بديهيات الإدارة المالية أن لا ترتب على الخزينة التزامات زائدة عن الموازنـة ثم تعالج المخالفة بالامتنـاع عن دفعها وقيدهـا، أما إذا جاءت المنح الموعودة فمكانها في جانب الإيرادات ولا تؤثر على النفقـات.