شفافية الحكومة وحق الحصول على المعلومات



تبدي حكومة الدكتور عمر الرزاز اهتماماً متزايداً في التعامل بشفافية مع الجمهور، ومحاولة إطلاعه ومشاركته في الأحداث الجارية والمتعلقة بمستقبله، وهذا النهج مختلف وإيجابي قائم على حق الناس بالمعرفة.

سألني دولة الرئيس الرزاز، مشكوراً، عن وجهة نظري بقانون ضمان حق الحصول على المعلومات، وأجبته بكل وضوح بكل الملاحظات الإيجابية، والتحديات ونقاط الضعف، وتوسعت في تقديم تصوراتي حول البيئة التشريعية الحاضنة لحرية التعبير والإعلام، وأرسلت له فيما بعد مطالعات قانونية، ومقترحات بديلة، فأنا مقتنع بأن التغيير الذي ننشده يبنى بالشراكة الوطنية.

أول خطوة حكومية مطلوبة للمضي في هذا المسار تعديل قانون ضمان حق الحصول على المعلومات، فالأردن كان سباقاً كأول دولة عربية تقر مثل هذا القانون العام 2007، ولكن رغم مضي أكثر من 10 سنوات على إقراره، فإن إنفاذه كان ضعيفاً في أكثر مؤسسات الدولة.

الحكومة العام 2011 قدمت للبرلمان تعديلاً مقترحاً على قانون حق الحصول على المعلومات كان إيجابياً، وركز على اختصار مدة إجابة الطلب إلى 15 يوماً، ووسع عضوية مجلس المعلومات بإضافة نقيبي الصحفيين والمحامين، واعتبر حق المعرفة لكل الناس وليس محصوراً بالأردنيين، ومع ذلك فإن هذا التعديل ظل في أدراج مجلس النواب، وحاولنا بشتى الطرق مع رؤساء لجنتي التوجيه الوطني والقانونية السابقتين لدفعه إلى أن يدرج لمناقشته وإقراره، ولسبب لا نعرفه ظل حبيس الأدراج حتى الآن.

التعديلات التي قدمتها الحكومة العام 2011 جيدة، ولكن العلة في القانون أبعد من ذلك، لذلك نصحنا رئيس مجلس النواب في ذلك الوقت، سعد هايل السرور، بأن يتفاهم مع الحكومة على سحبه، وتقديم تعديلات أكثر جذرية تحل المشكلة، وما نزال نصر على هذا التوجه إذا كنا نريد قانوناً يسهم فعلياً في ضمان حق الوصول إلى المعلومات للجمهور، ويعزز قيم الشفافية والإفصاح بالدولة.

المفاصل الأساسية الإشكالية في القانون أنه اعتبر قانون وثائق وأسرار الدولة يسمو على قانون حق الحصول على المعلومات، ووسع من حدود الاستثناءات للمعلومات التي يجوز عدم الإفصاح عنها، وربط طلب المعلومات بالمصلحة المشروعة، وقرارات مجلس المعلومات بإجابة طلبات المعلومات ليست ملزمة لمؤسسات الدولة، ولم يرتب عقوبات على المسؤول الذي يرفض أو يمتنع عن تقديم المعلومات.

مركز حماية وحرية الصحفيين عمل منذ عامين في "مشروع اعرف" لتعزيز الشفافية وحق المعرفة بالتعاون مع مشروع سيادة القانون، وما ركزنا عليه أكثر، واكتشفنا أهميته هو ضرورة إيلاء اهتمام أكبر لآليات إنفاذ القانون رغم وجود ملاحظات عليه.

وجدنا، عند بدء عملنا، أن أكثر المؤسسات لم تضع آليات لإنفاذ القانون، فكيف تريد ضمان هذا الحق ولا يوجد في الوزارة أو المؤسسة منسق للمعلومات، وإن وجد فلا يوجد توصيف وظيفي له، ولا قرار من الوزير أو الأمين أو المدير بتكليفه بهذه المهمة، وأيضاً لا توجد طلبات للمعلومات، وإن وجدت فلا أحد يعرف عنها وهي بالأدراج فقط، ولم يتم تدريب الموظفين على التعامل معها؟!

نجح مشروع "اعرف" في أكثر من 20 وزارة ومؤسسة في مأسسة إجراءات إنفاذ حق الحصول على المعلومات، وأعد دليلاً للإجراءات أصبح معتمداً، وتحرك نحو التذكير بأهمية تصنيف المعلومات وفق القانون وأفضل الممارسات الدولية، لا حسب مزاج المسؤول في المؤسسات العامة، وعملنا مع أفضل خبير دولي متخصص لإعداد دليل لتصنيف المعلومات وضعناه بين يدي المسؤولين في الحكومة.

رغم التقدم المحرز، فإن اهتمام الحكومة ودولة الرئيس بهذا الأمر مسألة حيوية، تعطي زخماً، وتحقق تقدماً، وتعطي نتائج بوقت قياسي، وفي هذا السياق، فإن قصة النجاح التي لا بد من الإشارة لها، كيف عملنا مع مركز الملك عبدالله الثاني للتميز على ربط جائزة الملك عبدالله لتميز الأداء الحكومي والشفافية بحق الحصول على المعلومات، وكيف أصبح هذا الحق جزءاً أساسياً من معايير الجائزة، وهذا شجع المؤسسات العامة على الاهتمام أكثر بإنفاذ حق الحصول على المعلومات، والقيام بإجراءات سريعة لتصنيف المعلومات، وتطوير طلب معلومات الكتروني، والاهتمام أكثر وأكثر بتدريب كوادرها على التجاوب مع هذا الحق؟

إذا أرادت الحكومة أن تضمن للناس حقهم بالمعرفة، فعليها أن تقول لكل المسؤولين إن هذا حق أساسي وليس منة، أو تكرماً منهم، وعليهم المبادرة لمأسسة هذا الحق ليتحول إلى نهج للدولة