حكومة حوار لا حكومة تبرير
حكومة حوار لا حكومة تبرير
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور: رشيد عبّاس
مع تقدم الوعي البشري وسعة الاطلاع في لغات الاتصال والتواصل الاجتماعي فان امكانية تصنيف المواطن العادي لأية حكومة قائمة من حيث كونها حكومات حوار ام حكومات تبرير باتت قضية سهلة وبسيطة, والفرق بين النمطين والشكلين من الحكومات اصبح واضح للعيان ولا يحتاج الى مزيد من التمحيص والاستقصاء والبحث, ومهما كان الامر بالنسبة لقضايا المواطن فان نهج حكومات الحوار الوطني هو الانجح والافضل في كل الحالات والجوانب السياسية والاجتماعية والاقتصادية مقارنة بنهج حكومات التبرير في مثل هذه الجوانب المتعددة.
وعلى مستوى الداخل او الخارج فان (الحكومات) التي كُتب لها النجاح والاستمرار والتمكّن قد امتازت دون ادنى شك بإجراءاتها الحوارية الوطنية البنّاءة مع جميع شرائح القوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية وامتداداتها على مدى عمر وحياة الحكومة, وعلى العكس تماما فإننا نستطيع القول ان (الحكومات) التي كُتب لها التعثّر والبقاء في مكانها قد امتازت بآليات تبرير لم تُقنع نفسها ولا حتى الاخرين من شرائح المجتمع وطبقاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية الموجودة فيه, والسؤال المشروع الذي يمكن ان يطرح نفسه هنا هو, كيف يمكن ان تكون الحكومة حكومة حوار بنّاء بامتياز؟.. وهذا ما نأمله من حكومتنا الحالية,..حكومة الرزاز.
يقول الفيلسوف الالماني «هيجل» وهو واحد من رواد الاعمال الفلسفية العديدة التي تتعلق بالحوار البنّاء في جميع معطياته والداعي في نفس الوقت بالتخلي عن التبرير المبطّن بجميع صوره, يقول بالحوار البنّاء يتم اسقاط التبرير المبطّن حتى لو كان هذا التبرير منطقيا وصحيحا, ويمكن القول هنا لحكومة الرزاز ان «هيجل» يطلعُ علينا اليوم من جديد ليقول لنا بالحوار البنّاء والمفتوح والذي يتسم بتعديل المفاهيم الخاطئة لدى المواطنين وتصحيحها, بمثل هذا الحوار يمكن الاستغناء بشكل كامل عن التبريرات المبالغ فيها لكثير من القرارات الحكومية التي تطل علينا بين الفينة والاخرى والتي لا داعي لها مع وجود الحوار, وعلى سبيل المثال لا للحصر لو توقفنا عند (تبرير) احد اعضاء الحكومة قبل ايام قليلة قائلا ان ارتفاع اسعار الكهرباء 85% بسبب ربط الغاز والنفط عالميا,..مثل هذا التبرير كان نتيجة للعديد من تساؤلات المواطنين والتي كانت على النحو الاتي: بما ان اكثر من ٨٥% من الكهرباء المولدة بالأردن تولد من الغاز فلماذا ترتفع اسعار الكهرباء بارتفاع اسعار النفط؟..الامر الذي دفع احد اعضاء الحكومة اطلاق تبريره الاتي: ان اسعار الغاز عالميا مرتبطة وبشكل مباشر مع اسعار النفط، وتتناسب طرديا معها, والوقود الذي نستخدم بالأردن لإنتاج الكهرباء هو الغاز والوقود الثقيل.
قبل كل شيء نقول لعضو الحكومة صاحب التبرير لك منا كل الاحترام والتقدير, وهو بالمناسبة من الشخصيات الاردنية المُبدعة وهو ايضا من ذوي الايادي النظيفة في وطننا العزيز, لكن يبدو ان هناك ضعف واضح في نهج الحوار الوطني البنّاء المبني على مُناقشة اسعار الكهرباء من خلال مؤسّسات عامة ذات العلاقة والمهتمة بهذا النوع من الحوارات, الامر الذي دفع كثير من المواطنين الى طرح تساؤلات عديدة حول ارتفاع اسعار الكهرباء, وترتب على ذلك تبرير عضو الحكومة لهذا الامر,..في الوقت الذي نحترم مثل هذا التبرير لكن نقول لا حاجه لمثل هذا التبرير لو كان هناك حوار وطني سابق نوقش فيه قضية ربط الكهرباء بالغاز والنفط معا.
نعم كثير من القضايا الوطنية المُلحّة كالضرائب وارتفاع اسعار الماء والكهرباء والرسوم وغيرها, نكون بأمس الحاجة فيها الى حوارات وطنية متعددة الاطراف لكي نتوصل فيها الى ارضيات ولغات مشتركة بين المواطن والحكومة ولكي توفر عليها جملة من التبريرات التي لا يقتنع للأسف الشديد بها غالبية المواطنين حتى لو كانت صحيحة ومنطقية وذلك وبكل صراحة بسبب ضعف ثقة الموطنين التراكمية بالحكومات السابقة.
مرة اخرى نأمل ان تكون حكومة الرزاز حكومة حوار وطني مَبْنية على مُناقشة القضايا الوطنيّة من خلال مؤسّسات عامة ذات العلاقة المشتركة, لا حكومة تبرير فردي,..حوارات وطنية تتمثل في الجوانب السّياسية اولا والتي لها أهميّةٌ كبرى على مُستوى العالَم بِأكمله, حيث يَنتُج عنه عقد اتفاقيّات صُلح ومُعاهَدات مُختلفة بين الدّول، كما تتمّ فيه مُناقشة قضايا ومُشكلات الحُدود,..حوارات وطنية تتمثل في الجوانب الاجتماعية ثانيا والتي ينبغي ان تُعقَد في المُؤسسات الحُكوميّة والمُؤسسات الأهلية، وتُناقش فيها القضايا الاجتماعيّة,..حوارات وطنية تتمثل في الجوانب الاقتصادية ثالثا من خلال اللقاءات التلفازيّة، أو المُنتديات الاقتصاديّة، أو عن طريق عَقد مُؤتمرات اقتصاديّة، وفيها يُناقِش أصحاب الخِبرة والاختصاص جميع الرّؤى الاقتصاديّة.
واكثر من ذلك نريد من حكومة الرزاز حوارات وطنية تربوية تُقيمُها المُؤسسات التربوية مع الأشخاص المَعنيين بِذلك، مثل المُفكرين، والباحثين التّربويين عن طريق عقد مُؤتمرات تربويّة، بِهدف نشر الأفكار التربوية الصّحيحة, ونريد ايضا من حكومة الرزاز حوارات وطنية امنية تُعقَدها المُؤسسات الأمنيّة، وذلك لِمُناقشة القضايا الأمنيّة الهامّة، مثل قضايا المُخدِّرات، والجرائم والحَرائِق وحوادِث المُرور وغيرها الكثير، وذلك من خلال عَقْد مُؤتمرات وعَمَل بُحوث أمنيّة.
..كيف لا وقد دعا جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله مرارا وتكرارا من خلال (الاوراق النقاشية السبعة) المعروفة للجميع والتي طرحها جلالته مؤخرا دعا الى مثل هذه الحوارات الوطنية البنّاءة وان يكون نهجنا فيها نهج الحوار والاستماع الجيد للآخر لا التبرير والدفاع عن النفس, فالقضية ليست قضية تهمة موجهة من المواطن الى المسؤول انما الهدف هو وضع ارضيات ولغات مشتركة ليس الا,..بقي ان نقول لا بد من التخلص من ثقافة التبرير الفردي والقائم أصلاً على تعليق المشاكل برقاب الاخرين, والعمل على نشر ثقافة الحوار البنّاء والمفتوح, وان نُدرب أنفسنا على الإنصات الجيد وتقبل الرأي والرأي الاخر, وان نحل مشاكلنا بالاعتراف بها والعمل على تشخيصها لإيجاد الحلول المناسبة لها.