صندوق المحافظات: كي لا تفسد الفكرة
إنشاء صندوق تنمية المحافظات الذي أُعلن عنه أثناء زيارة جلالة الملك لمدينة السلط وأمر جلالته برصد 150 مليون دينار له، قد يكون هذا الصندوق أهم فكرة لمأسسة التنمية المحلية في تاريخ المحافظات الأردنية. وفي المقابل، قد تمر الفكرة بذات المسار الذي يفرغها من مضمونها الاجتماعي والتنموي، وعلى أيدي النخب نفسها التي طالما أفرغت المحافظات من مواردها؛ وبدلا من الدورالإنقاذي في ردم الفجوة التنموية التي تزداد اتساعا وعمقا كل يوم، تضاف مصادر إعاقة جديدة وبيئات أخرى للفساد والإفساد والتوتر كما حدث مرات عديدة.
للأسف، تبدو مؤشرات المسار الثاني أكثر وضوحا؛ فمعظم الأفكار التي أطلقت خلال عقد مضى من أجل التنمية المحلية في المحافظات باءت بالفشل أو ما تزال موضع نقاش حاد، بل أصبح بعضها بيئة خصبة للفساد، ولم توفر أكثر من ازدياد مشاعر النقمة والاحتقان لدى المجتمعات المحلية. وفي معظم تلك التجارب لم تكن المشكلة في الأفكار ونُبل مقاصدها، بل في الإدارات التنفيذية، وفي الفكر الذي أدارها ومنهجيات التعامل مع الموارد والمجتمعات المحلية.
مهمة إنشاء هذا الصندوق لن تكون سهلة، فثمة تراكم تاريخي من الاختلالات والفجوات، وخرائط متعددة من الأولويات الاجتماعية والتنموية والاقتصادية، وثمة وعي متنام بالذات مُحمل بمضامين اجتماعية وسياسية ممزوجة بمشاعر حادة ومتناقضة أحيانا وسط المجتمعات المحلية. هذه الأزمة المركبة والمزمنة لا تعني تعقّد المهمة أو استحالتها، بل تعيدنا إلى أن أهم المشاريع التي صاغت مفاصل تاريخية حاسمة برزت من رحم الأزمات.
لقد نبهنا من خلال هذه الصحيفة عشرات المرات، وعلى مدى أكثر من خمس سنوات، إلى أن ملف المحافظات هو الأهم والأسخن والذي يحتاج إلى خطة طوارئ حقيقية وجريئة، وإلى فكر تنموي جديد. وكما تحولت الفجوات وتراكم الإهمال والتهميش ورداءة نوعية الحياة إلى مشاعر حادة ذات مضامين سياسية يعبر عنها الحراك الشعبي في المحافظات، فإننا لا ندري إلى أين سوف تذهب الأمور خلال شهور وسنوات مقبلة إذا ما أعيد تدوير الفشل من جديد، وأعدنا إنتاج الحلقة المفرغة نفسها.
فمن الممكن أن نعيد استنساخ قصص الفوسفات والبوتاس ومزارع الديسي والقويرة والشوبك واستثمارت المفرق والجدل المفرغ من المضمون حول مستقبل عجلون؛ فإذا مرت موجة المشاريع السالفة في عقود خلت من دون أن يعود على التنمية المحلية أي شيء يذكر، فإنه من الصعب أن تمر اليوم، ونحن نراقب كل هذه التحولات من دون أن نُمكّن هذه المجتمعات من الوصول إلى جزء من الموارد المحيطة بها. ويكفي أن نورد مثالا واحدا أن أحد أكبر المستثمرين في الصناعات الاستخراجية في الجنوب، هو مجرد جمعية تعاونية لمزارعين هنود في إحدى الولايات الهندية.
يمكن أن يوفر صندوق تنمية المحافظات أرضية حقيقية وصلبة لانطلاق مسار جديد في التنمية المحلية في المحافظات، إذا ما أرست ادارته التنفيذية أسسا جديدة في توليد الموارد المحلية والحفاظ عليها والإبداع في تنميتها، وإذا ما غلب المنظور التنموي–الاقتصادي على المنظور الاقتصادي وحده، أي الكفاءة والفعالية معا، وإذا ما ابتعد عن منطق الفرجة وإدارة التنمية بالعلاقات العامة والإعلام والاسترضاء.