سميرة العسلي: ألا يمكن الغناء مع الحجاب؟

يجب أن تفصل الفنانة سميرة العسلي بين قرارها بارتداء الحجاب (ما الحجاب؟ وما هو ليس حجابا؟) وبين اعتزالها الغناء والفن، فلا تعارض بينهما. والعكس هو الصحيح، فإنها بمواصلتها الغناء مع الحجاب تقدم رسالة جديدة ومهمة تنسجم أولا مع اتجاهها الجديد نحو الالتزام أو مزيد من الالتزام، لأنها تعد ملتزمة من قبل، لتقدم نموذجا من الفن الملتزم، وتحرر الفن من الفكرة السائدة بأنه ضد الالتزام، وتساهم أيضا في تعزيز اتجاه الفن الملتزم، وتلبي رغبة فئة واسعة من الناس تريد أن توفق بين الغناء والفن وبين الالتزام.
إن الفنون، ومنها الغناء والموسيقى بالطبع، تعبير حتمي وضروري عن ثقافة المجتمع ووعيه لذاته، وحلقة ضرورية لا يمكن تخطيها في التقدم والتنمية والإصلاح، فهو يمثل محصلة منظومة التفاعل الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المتشكل حول الموارد والأعمال والأمكنة، ويؤدي (في حال التقدم والإصلاح) إلى مزيد من الموارد ومواصلتها وإدامتها وتنميتها واستمرارها، فهو مصدر أساسي وحافز للأعمال والثقافة والهوية التي تحافظ على قيم العمل والتمدن والتسامح والسلوك الاجتماعي السليم والراقي، وهو أيضا مصدر لتنمية الجمال (التمييز بين القبيح والحسن) والذي يزيد بدوره قيمة جميع الأعمال والأفكار والسلع والمنتوجات، فبغير هذا الجمال لا يمكن تصميم السلع والخدمات والأعمال والسلوك على النحو الذي يزيد الموارد ويحسّن الحياة. والفن أيضا يزيد كثيرا في تحسين وتطوير الاحتياجات الأساسية من البيوت واللباس والطعام والعلاقات الاجتماعية على النحو الذي يجعل الحياة أكثر سعادة وجمالا وملاءمة لاحتياجاتنا وأولوياتنا. إن بيوتنا وملابسنا وأطعمتنا تكون أكثر ملاءمة لحياتنا وأهدافنا ووعينا كلما زاد وعينا الجمالي، وهو ما يتشكل عبر حراك ثقافي وفني.
والحالة الثقافية والفنية للمجتمعات تعكس حالها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، وتؤشر على مستوى التقدم والتنمية، وهي بذلك تصلح مقياسا مهما وعمليا لملاحظة الخلل والتراجع وإدراك الاحتياجات الإصلاحية والتنموية، ويمكن ربطها بالمستوى التعليمي والسلوك الاجتماعي وبمشكلات الحياة اليومية، وبثقافة وسلوك العنف/ أو التسامح، والقدرة على الحوار والاستماع والتعبير والتذوق الفني والجمالي.
نتمنى أن تواصل الفنانة سميرة العسلي عملها الفني والغنائي، بل إني أعتقد أن مواصلتها الغناء مع ارتدائها غطاء الرأس سيكون بالنسبة لها ولجمهور واسع أكثر ضرورة وأهمية. وفي النهاية طالما أن فئة واسعة من المواطنين متجهة الي التدين، فلا بد من وجود أنماط من الفن وأساليب الحياة المنسجمة مع هذا الاتجاه. وكما نشأت البنوك (الإسلامية) والمؤسسات المختلفة المنسجمة مع وجهة التدين، فقد حان الوقت لوجود فنانات وفنانين متدينين.