إن عرفت ما تجهله


للذاكرة مدينة لا تنام حين نقتبس من الكلام عبرة و من المواقف رنينا ونعاهد أنفسنا على المضي، فنمضي بين العسر يسرا و بين اليسر عسرا. نلهث وراء قضبان المدينة الواسعة علّها تنتشلنا من ألم فراقٍ بسيط الأماني.
وتحملنا أقدارنا نحو السفر- الوعد - فما نسرقه من الآخرين يأتينا محملا بالوعيد..ثم يُسرق من مبدأ ( أن لا دوام )!
مدن تغتالنا شوارع ذكرياتها و مدن نهرب إلى برد زواياها
مدن تُشعل ربيعنا و مدن يتوقّد فيها الخريف
نحن الذين كلنا مظلومون بدافع العيش يقطع اليقين لحظاتنا الحاسمة
نغيب يغيبون و تغيب الحروف ..
وننتهي في مدن الممنوع بعد أن تتثاءب جراح الوقت حتى تلملم التفاصيل و تمضي
فتبقى الأمنية مجرد أمنية، ويبقى الحلم خيال.
و فجأة ندرك أننا لا يمكن أن نحتفظ بعطر المصافحة إلى الأبد فلا أحد منا يصافح قدره وداعا لأننا كلنا مولودون به فما رياح الوقت إلا ماضية غداً.
بعض الإجابات مؤلم و السراب خديعة و القليل من كل شيء يساوم سنابل الصداقات
و يبقى للحزن الممنوع أبوابا لكل هؤلاء المحبين بالفطرة
المترددون على حبال الخوف الحاسمون الذين يرتدون قناع الظلم في حين هم من يُظلَمون
و تبقى الابتسامات صدفة على عتبات المجيء الذي لم نكن نحلم به يوما فللذاكرة تمدد و أصداء و جراحات و مواسم و مزاج يشهد أن في القلوب طيب أكبر من أن يُؤذى!
إنما و لعل الأشياء الجميلة لا تكتمل و لربما جمالها في نقصانها بل أنها كلما زادت اختناقا زادت جمالا.
فيا أيها الجاهل للآتي
الذي إن عرفت ما تجهله لن تُغير شيء
خذ من عزلتك مكانا و أركن إلى صندوق بريدك و أفتح رسائل الوقت و اقرأ لأجل كل تلك الأعوام التي جهلت لربما بدلت الرفض بالرضا فلا تبقى مقيم على ضفاف العتاب
لست مجبرا أن تروق لهم لكنك مجبر أن تروق لنفسك
مجبر أن ترى في بعض الخسارات عافية
و في الإرهاقات راحة .. و في النقص اكتمالا
و في كثير من الصمت كلاما.