نهم صيفيّ



النهم ليس مقترناً بالصيف وحده، بل هو طبعٌ قائم في كلّ الأوقات، إلاّ أنّه أكثر ما يظهر جليّاً في فصل الصيف، حيث تكثر المناسبات الاجتماعية من نجاح وأفراح وعودة المغتربين من غربتهم، فتمدّ الموائد وتكثر الدعوات على مدار نهارات فصل الصيف ولياليه.

إنّ الإنفاق أمر صحيّ، وهو اعترافٌ بفضل الله على الإنسان، لأنّ الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده. غير أنّ المشكلة التي ترافق هذا الإنفاق هي مشكلة النهم الذي يعبّر عن حالة مرضيّة نفسية لها أسبابها المختلفة.

فإذا دخلت إلى أحد المتاجر الكبرى وراقبت ما يفعله الناس خلال طقوس الشراء، تجد الواحد منهم يملأ عربته بما هبّ ودبّ وبما يزيد عن حاجته أضعافاً، فيشتري من الخضار والفواكه واللحوم والأرز والسكر والمعلّبات والأجبان والمشروبات كميّات كبيرة، كأنه يخشى أن تنقطع من السوق إن لم يحملها معه إلى البيت، ويكون مصير نسبة كبيرة من هذه المشتريات التلف وتجاوز تاريخ الصلاحيّة ثمّ إتلافها بعد أن يستهلك نسبة ضئيلة منها فقط.

وإذا راقبت كثيراً من الناس الذين يقيمون الولائم بالمناسبات المختلفة، فإنهم يعدّون من الطعام ما يكفي لأضعاف عدد المدعوين، ثمّ بعد انتهاء الحفل، يقومون بإلقاء ما زاد من الطعام في حاويات القمامة، مع أنه كان بإمكانهم حساب ما يحتاجون لإعداده حساباً دقيقاً بناءً على عدد المدعوين وما سيخصص لكلّ مدعوّ من اللحم والأرز واللبن والفاكهة والحلوى والشراب، وحساب ذلك ليس صعباً بأيّة حال.

وإذا راقبت الناس المدعوين للطعام في أي مناسبة، فإنك تلاحظ أن الواحد منهم يملأ طبقه إلى أقصى حدّ ممكن وهو يعلم تمام العلم أنّه لن يستطيع أن يأكل ما في الطبق كلّه، ثمّ بعد ذلك يترك الكثير من الطعام في طبقه يكون مآله إلى حاويات القمامة، مع أنّه يوجد الكثير من الناس بين ظهرانينا ممّن يتضوّرون جوعاً ولا يجدون قوت يومهم.

لا يحتاج المرء إلى الكثير من المراقبة لاكتشاف هذه الحقائق، مثلما لا يحتاج أي شخص لديه مثل هذه العادات الذميمة إلى كثير من الوقت للتخلص منها.

إنّ الذين لديهم مثل هذه العادات، وهم كثيرون في مجتمعنا، ليس من حقهم أن يجأروا بالشكوى من سوء الأحوال الاقتصادية وارتفاع الأسعار وزيادة الضرائب، فبسلوكهم هذا غير الاقتصادي ترتفع الأسعار وتزيد الضرائب وتسوء الأحوال الاقتصادية.

salahjarrar@hotmail.com