الدولة الأردنية الحديثة والورقة النقاشية الملكية السادسة

اخبار  البلد 

 
شهد الأردن في الأيام القليلة الماضية احتجاجات شعبية سلمية حضارية كان مطلبها الرئيسي يتمحور حول رفض مشروع قانون ضريبة الدخل والفساد، وتُوجت بانحياز جلالة الملك عبد االله الثاني إلى الشعب. إن مضمون الاحتجاجات كان أوسع من مجرد رفض قانون الضريبة المقتَرح، حيث أن الشعب عبّر عن استيائه من عدة أمور، وأكد رفضه نهج حكومات متعاقبة شاب عملها العديد من الأخطاء والخطايا. وقد أكد المحتجون رفضهم للسياسات غير الفعالة لمحاربة الفساد ومحاكمة الفاسدين، ونادوا بتعزيز نهج تكافؤ الفرص ورفض المحسوبية والواسطة وإرساء مبادئ المسؤولية والمساءلة والشفافية في إتخاذ القرار وإدارة المال العام والعدالة الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي. إن كل ما سبق يندرج تحت عنوان شامل هو العدالة وسيادة القانون. إن موقف جلالة الملك من مطالب المحتجين لم يكن مستهجَناً لنا، حيث إن جلالته قد رفع السقف مسبقاً من خلال الأوراق النقاشية الملكية السبع، وتحديداً الورقة النقاشية الملكية السادسة بعنوان «سيادة القانون أساس الدولة المدنية». إننا نعتقد بأن مأسسة القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني للمفاهيم الواردة في الورقة النقاشية السادسة هي المنطلق والأساس الصحيح للإصلاح السياسي والإداري وبناء عقد اجتماعي جديد.

ونذكّر كل من لم يقرأ الورقة النقاشية الملكية السادسة ويتدبرها بأنها نادت بسيادة القانون والعدالة والحوكمة والشفافية والمساءلة والمحاسبة ورفض الواسطة والمحسوبية. وقد عبر جلالة الملك عن غضبه في شهر كانون الثاني الماضي إزاء عدم التفاعل مع ما ورد في مضامين الأوراق النقاشية؛ ومنها الورقة النقاشية السادسة. وقد عبر جلالة الملك عن غضبه مرةً أُخرى خلال الاحتجاجات الأخيرة، وكانت النتيجة أن كَلّف دولة الدكتور عمر الرزاز بتشكيل حكومةٍ جديدة، وكلّفها من خلال خطاب التكليف السامي بصياغة عقدٍ اجتماعي واضح المعالم، وهي دعوة صريحة لكل الأطراف. فالعقد لا يتغير بإرادة طرف واحد، بل يحتاج إلى نقاش كافة الأطراف واتفاقها. بناءً على ما سبق، نجد أن موقف جلالة الملك جاء أكثر شمولية مما نادى به أبناء الوطن، فـبينما نادى المحتجون إلى تغيير النهج الحكومي، نجد أن جلالة الملك نظر إلى الموضوع نظرةً شاملةً، فالورقة النقاشية السادسة وُجّهت إلى كافة الأطراف؛ الحكومة والشعب والهيئات والمؤسسات شبه الحكومية والقطاع الخاص. إن الدور الأساسي في التغيير يقع على كاهل الحكومة ومؤسساتها، فهي التي تمتلك الأدوات وتقترح التشريعات وتصدر التعليمات، إلا أن ذلك لا يخلي الأطراف والقطاعات الأُخرى من الوقوف أمام مسؤولياتهم، وذلك يشمل المواطن والقطاعات المختلفة (الخاص والعام) كالصحة والتعليم وتشجيع الاستثمار الداخلي والخارجي. ونحن على قناعة بأنه لا يمكن تجسير الهوة وإعادة الثقة بين المواطن ومؤسسات الدولة إلا من خلال مأسسة المفاهيم الواردة في الورقة النقاشية الملكية السادسة. لقد آن الأوان لتقوم مؤسسات الدولة والقطاعات المختلفة بالإعلان صراحةً عن تبنيها تطبيق مبادئ الحوكمة والمساءلة والمسؤولية والرقابة الداخلية وسيادة القانون ومأسسة محاربة الفساد، أو لربما ما نحتاجه اليوم هو تطبيق ما سبق من خلال عملية تقنين شاملة تهدف إلى تطبيق هذه المفاهيم. إن الهدف أو الرؤية المنشودة هي أن يشعر كل مواطن بأن الضرائب التي يدفعها عادلة وتُدار بشكل حصيف وشفاف ومهني، وأن الدولة قادرة على ضبط التهرب الضريبي ومعاقبة مرتكبيه، وأن يكون الجميع خاضعًا للمساءلة القانونية دون محاباة أو واسطة أو محسوبية، وأن قوانين الضريبة يتم تصميمها وتنفيذها بهدف تحقيق مبادئ المساواة والعدالة الاجتماعية وتغليظ عقوبة التهرب الضريبي أو/و تسديده ما يترتب عليها. ولا يتأتّى ذلك إلا عندما تتم صياغة عقد اجتماعي جديد أساسه المواطنة الصالحة والوطنية
ر