مباراة مصر والسعودية: أيزنهاور حكما

اخبار البلد

 
 

بطرق متنوعة، احتفت الصحف والمجلات العالمية بأهم حدث رياضي عالمي. فقد نشرت الأكونومست، بمناسبة مونديال روسيا، دراسة عن الشروط اللازمة لكي يكون بلد ما بارعا في لعبة كرة القدم بيّنت فيها أن وفرة الثروة الاقتصادية، وكبر الحجم السكاني وأصالة الاهتمام الشعبي هي عوامل هامة تضمن، بتضافرها، نصف شروط النجاح. ولكن النجاح الرياضي مسألة إرادة وطنية أيضا، مثلما برهنت دول الكتلة الشرقية التي امتازت طيلة عقود بتفوقها في مختلف المسابقات الأولمبية، ولو أن هذه الدول لم تعرف بالتميز في مجال كرة القدم، باستثناء إشراقات منتخب المجر الباهرة في الخمسينيات وبعض الومضات اليوغسلافية والبولندية الجميلة في السبعينيات. ولهذا لا يستغرب أن الصين أعلنت أخيرا تصميمها، في إطار خطة حكومية بعيدة المدى، على تحقيق إحدى ثلاث في مونديال 2050: إما الترشح، أو الاستضافة، أو… الفوز! ورغم أن الغاية الأخيرة أمنية شبه مستحيلة، ولا تفسير لها إلا غرام الزعيم شي جينبنغ بكرة القدم، فإن الترشح أو الاستضافة ممكنان لأن الصين أخذت منذ بضع سنين في محاولة نشر ثقافة كرة القدم بين أبنائها وبناتها وفي بناء الملاعب وإنشاء المدارس المخصصة لتنمية المواهب.
ونشرت لوموند مقالا زعمت فيه أن كرة القدم ليست فنّا فقط، بل هي إلى العلم أقرب. واستشهدت في ذلك بما لا يقل عن عشرين ألف بحث ودراسة منشورة في الدوريات الأكاديمية التي تشمل مختلف المجالات من علم النفس، والفيزيولوجيا والاقتصاد إلى الإحصاء، والفيزياء والطب. وليس الاهتمام بفن، أو علم، كرة القدم بمسألة جديدة. إذ يعود تاريخ أول مقال في هذا المجال إلى عام 1932، ويتعلق باكتشاف المواهب في المدارس. أما الدراسات المتعلقة بفن التكهن بنتائج المباريات فقد بدأت منذ عام 1962.
وتذكر لوموند أن أكثر البلدان إنتاجا للمقالات والدراسات في مجال كرة القدم هي «الأمم الكروية» العريقة: البرازيل، وإسبانيا، وإيطاليا، وإنكلترا وألمانيا. أما المفاجىء، فهو أن الولايات المتحدة الأمريكية هي أيضا من أغزر البلدان إنتاجا للبحوث الأكاديمية في مجال كرة القدم، رغم أنها لعبة جديدة نسبيا هناك، حيث لم يبدأ الاهتمام بها إلا منذ حوالي أربعة عقود أو خمسة. وتتوزع مسائل البحث على مساحة واسعة جدا تتراوح بين تقدير احتمالات الإصابات أثناء حصص التدريب وبين تحليل أسباب تعرض عشرات الأندية للإفلاس.
أما مجلة مراجعة الكتب «لندن ريفيو أوف بوكس»، فقد احتفت بالمونديال بطريقتين. الأولى هي نشر مراجعة بقلم أستاذ العلوم السياسية المتميز ديفيد رانسيمان لكتاب «سقوط دار الفيفا» للباحث ديفيد كون. يقول رانسيمان إن ملف ترشح انكلترا لاستضافة مونديال 2018 أو 2022 قد تضرر جرّاء بث «بي بي سي»، ليلة القرعة بالضبط، حلقة من برنامج «بانوراما» حول شبهات الفساد في عملية فحص ملفات الترشيح. إلا أن الكتاب يثبت أن محاولة البلدان المترشحة استمالة أعضاء اللجنة التنفيذية للفيفا، بالمال أو الهدايا أو وعود الاستثمار الرياضي في أوطانهم أو أنديتهم، ممارسة شائعة منذ زمن.
أما طريقة الاحتفاء الثانية فهي آية في الإطراف والإتحاف. وذلك أن المجلة ارتأت أن تعيد نشر مقالات من أرشيفها، بحيث يبدو كما لو أنها تعليقات أو ريبورتاجات على بعض مباريات مونديال 2018.
في لعبة الإيهام الشفاف هذه، يحيل عنوان: روسيا ضد السعودية، 14 حزيران/يونيو، إلى مقال من الأرشيف لبري أندرسون يقول فيه: من إحدى الزوايا تبدو روسيا اليوم كأنها السعودية، ولكن بصواريخ. ويحيل عنوان «فرنسا ضد بيرو، 21 حزيران» إلى مقال لأنجيلا كارتر تقول فيه: إن أصول البطاطا في أمريكا الجنوبية موغلة في القدم إيغالا يفوق التخيل، في حين أنها بالنسبة لأوروبا من الخضروات الجديدة الملائمة بشكل فريد لاقتصاديات العصر الحديث. أما عنوان «مصر ضد السعودية، 25 حزيران» فيحيل إلى مقال لأندرو باسفيتش يقول فيه: تمكّن فوستر دالاس من إقناع الرئيس أيزنهاور بالاستعاضة عن ‘ألفا’ بخطة جديدة سميت «أوميغا». ومؤداها أنه يتعين على أمريكا الاقتراب من السعودية، بدل بذل جهد سياسي بالغ لمحاولة إرضاء مصر. إذ لم يكن عند مصر نفط يذكر، بينما عند السعودية وفر من النفط. كما كان يبدو أن مصر تهدد إسرائيل في وجودها، أما السعوديون الضعفاء عسكريا فما كانوا مصدرا لأي تهديد».

٭ كاتب تونسي