حكومة الرزاز.. وحركة التصحيح المطلوبة!!

عطلة العيد جاءت في وقتها بالنسبة للحكومة وللمعارضة ، فاعطت الجميع مساحة زمنية كافية للتفكير بهدوء وعقلانية بعيدا عن الغضب باعتباره الد اعداء العقل. وبالتالي هي فرصة للشروع بحوار وطني يتم عبره التلاقي في منتصف الطريق ، من أجل التوصل الى حلول اصلاحية تدريجية معقولة ومقبولة. الحقيقة أن المسيرات الأحتجاجية الغاضبة التي حدثت مؤخرا على الدوار الرابع أعطت ثمارها واولها رحيل الحكومة السابقة ، ولكن الحكومة الجديدة جاءت على غير ما توقع الناس ، أي انها اقرب الى التعديل من التغيير ، ومخيبة لآمال البعض ، لكثرة الوجوه الآتية من الحكومة السابقة ، ولكن بوجود الدكتور عمر الرزاز على رأس هذه الحكومة نستطيع ان نصفها بانها « مهذبة مؤدبة اخلاقها عالية «. لم يستمتع رئيس الحكومة بعطلة العيد ، لأنه انهمك وانشغل باعداد برنامجه الأصلاحي الذي اعلن عناوينه وخطوطه العريضة في لقاء سريع مع وسائل الأعلام في أول يوم دوام بعد العطلة ، حيث أكد انه يقوم منذ اللحظة الأولى بحركة تصحيحية ، لمواجهة كل المشكلات عبر تغيير في النهج سيتحقق حتما وحكما ، حسب وعده. لا اشك بأن الدكتور الرزاز سيعمل بنزاهة وشفافية عالية ، وأن حكومته جادة في الأصلاح الأداري والأقتصادي والسياسي والأجتماعي ومحاربة الفقر والبطالة والفساد ، والشروع بخطوة سريعة على طريق معالجة الخلل الأقتصادي والمالي ، ولكن التخفيض في النفقات هو جزء من الحل الكلي الذي يحتاج الى زيادة الأنتاج والتصدير، كما ان المسألة بشموليتها صعبة معقدة متشابكة محليا واقليميا ، وتحتاج الى مزيد من الوقت. عند الحديث عن المشكلات الأقتصادية والسياسية المزمنة المتراكمة التي نعاني منها ، يجب أن لا نسمح للأزمة الأقتصادية أن تحجب الضوء عن المشهد الأردني الشامل. ضمن اطار هذا المشهد نرى أن موقع الأردن الجغرافي – السياسي يفرض شروطه على الواقع ، ففي العقود السابقة عندما كان الأردن ضمن دول الطوق أو جبهة الصمود والتصدي كانت الدول العربية تدفع مخصصات للأردن تساعده على حل مشكلاته الأقتصادية الأجتماعية لأن موارده شحيحة.

 
بعد انفراط عقد دول الصمود استمرت بعض الدول الشقيقة الغنية تقديم المساعدات والقروض ولكن بشكل متقطّع وشحيح ( بالقطّارة ) حتى ان هذه المساعدات انقطعت في فترة زمنية محددة ، واعني بداية التسعينات ، كي يظل الواقع المالي الأردني تحت السيطرة ولا يقوى اقتصاده ، أو يتحول الى اقتصاد انتاجي ، وبالتالي يظل بحاجة الى هذه الهبات والقروض ، كي يبقى قراره السياسي رهينة واقعه الأقتصادي. المشهد الأردني الراهن ، رغم الفزعة العربية ، يؤكد أن الأردن تعرض لحصار اقتصادي ، وهو الحصار الذي يتكرر في كل مرة تهب على المنطقة رياح سياسية تحمل مشروعا مشبوها ، أي أن الأطراف المعنية تمارس ضغوطها السياسية عبر الأزمة الأقتصادية. لذلك ارى اننا نحتاج الى اكثر من برنامج اصلاحي محدود ، نحن بحاجة الى تغيير كامل في النهج ، والتوجه الى الأعتماد على النفس باقامة مشروعات انتاجية على حساب الأنفاق على مشروعات يمكن تاجيلها ، لأننا دولة محدودة الموارد تعيش بمزاج دولة نفطية ، ولتحقيق ذلك يجب دراسة التجربة التايوانية. عندما زرت تايوان قبل اعوام قليلة علمت بان تايوان كانت تعتمد على المساعدات الأميركية ، ولكن حكوماتها المتعاقبة كانت تنفق جزءا من اموال المساعدات على البنية التحتية والجزء الاخر على تطوير الزراعة واقامة مشروعات صناعية انتاجية ، وتشجيع الأستثمار ودعم التصدير ، الى ان استغنت عن المساعدات الأميركية في منتصف الستينات ، واصبح لديها فائض مالي بلغ حوالي 400 مليار دولار. في النهاية اقول ان الأعتماد على النفس مطلوب اليوم قبل الغد ، حتى لو كان على حساب الأستهلاك والرفاهية التي تشبه « الورم « الأجتماعي ، لذلك ارى أن الأمر يتطلب البدء بالأصلاحات فورا ، وبعدالة وشفافية عالية الجودة ، حسب وعد الدكتور الرزاز ، ولكن ليس على حساب كرامة وقوت الطبقة الوسطى والفقيرة.