خُبث التّلقين والفكر الدّائري...؟!

 

خُبث التّلقين والفكر الدّائري...؟!

 

في قريتي الغالية العزيزة (حيّان الخوالدة - المفرق) وبالتحديد في عام 1984 احتفلنا كشباب بشرف وافتخار باجتياز ووداع الثّانويّة العامة بتقديرات مشرّفه من خلال (بيت شعر، فانوس أبو فتيله، ولكس أبو شنبر...) واستقبال الكهرباء الصّناعيّه المتطوّرة (نيون، ولمبه...). وكردّة فعل طبيعيّة لهذا التّطور الهائل؛ تم الاستغناء نهائيّاً عن طريقة رفع الآذان بالطّريقة التقليديّة (سلم، مؤذن، وسطح) بمكبرات الصّوت الحديثة (السّمّاعات) ومنذ أوّل رفع آذان بها؛ حفظنا ما كنّا نسمعه من ذلك المؤدّي عَقب كل نداء للصلّاة، وعلى غرار خلافٍ بسيط لا يُذكر بين العائلات على منصب رئاسة المجلس القروي حسب مُسمّاه آنذاك: (الفتنة نائمة ولعنة الله على موقظها).

 

وعند مشاهدتنا للتلفاز الحديث الملوّن لأول مرّة والتي صادفت في شهر رمضان المبارك آنذاك؛ اكتشفنا وحفظنا السّؤال الذي كان يوجّه من قبل الصّائمين وغير الصّائمين لذلك الشّيخ القابع خلف الشّاشة ويعلّمنا أُمور ديننا وصيامنا: (يا شيخ؛ قطرة الإذن في يوم رمضان؛ تفطّر ولّا ما تفطّر)؟

 

ذهبنا للجامعات لنتنوّر بالعلم و الفكر و الشّخصيّة؛ فاستقبلنا أغلب أساتذتنا (الدكاتره) العلماء و المفكرون وصانعو الأجيال بسؤال وبدون مقدّمات عندما تدخل إلى مكتبه، (أو يتم بينك وبينه خلوه غير شرعيّة)، وهو: (من وين انته) وهنا...؛ إن وافقه الجواب ائتلف، وإن خالفه اختلف... . بعد مرور ما يقارب الثلاثين عاماً على تلك الأفكار والموروثات؛ إلّا انّ مسجدنا و مؤذننا، وشيخنا ومفتينا وسائلنا ومسئولنا وجامعتنا ومدرّسنا لا زالوا جميعاً سمة قرننا العشرين بما يضم من انفجار معرفي و تكنولوجي، فالتّغيير حصل نعم...،ولكن في الوجوه والآلات والمواد، ولا أُنكر كذلك أنّ التّقدّم كذلك قد حصل فعلاً ولكن للأسف بالعمر أو الموت فقط...؛ وإلّا لما زلنا للبارحة: نردد وننادي ونصرخ مع ذلك المؤذّن أو وريثه الدّيني: الفتنة نائمة ولعنة الله على موقظها، بدلاً من أن نصرخ جميعاً: نحن نائمون ولعنة الله على من يوقظنا للفتنة وعلى الفتنة...!

 

وعلينا أن نفهم: هل فعلاً هُناك فتنة أم هناك سلاح ذخيرته الفتنة، ونصوّبها بالباطل كتهمة لكل صاحب حقٍّ ويستند في مطالبه على الحجّة والبرهان؟ وللبارحة ونحن أنفسنا نسأل نفس الشّيخ او وريثه الإعلامي و الثّقافي (أُتوماتيكيّاً) ولغاية رمضان القادم (عَ الحي و العايش): (يا شيخ قطرة الأذن في رمضان تفطّر ولا ما تفطّر)...، من رأيي؛ إحالة هذا السّؤال على لجنة الحوار الوطني للخروج بإجابة واضحة صريحة ترضي جميع الأطياف و الشّرائح من شتّى الأصول والمنابر و المنابت، ويتم إرفاق هذه الإجابة مع فاتورة الكهرباء و الماء العائدتين لكل مواطن في أوّل يوم من كل شهر رمضاني ضمن خطّة بعيدة المدى على أن يقوم (الجابي) بشرحها وتوضيحها لكل بيت، وعلى أن لا تتجاوز خمسة أعوام لكي يتسنّى لنا الانتقال إلى إجابة في خطّة أطول لسؤال (المضمضة) وخطورة المبالغة فيها أثناء الوضوء في يوم صوم من نفس الشّهر...!!!

 

ورغم ما وصلنا إليه من حداثة وتنوّر وفكر؛ إلّا أننا لا زلنا للبارحة نلعج بذاك السّؤال المريض في العمل والمدارس و الجامعات والمؤسسات الحكوميّة الخدميّة والرّسميّة والزيارات و السّهرات: (من وين إنته) وأكرر : إن وافقه الجواب ائتلف، وإن خالفه اختلف...، وهنا أقترح أن يحصل كل مواطن على بطاقة تحليل شخصيّه وسيره ذاتيّه اجتماعيه، ومصدّقه من وزارة الدّاخليّة، ويُلزَم بتعليقها في مكان بارز من جسمه أثناء التّنقل، ويتم مخالفة كل من لا يلتزم أو يستهين بحملها...، أو أن يوجّه له تهمة المناهضة للفتنه والعمل على تنويمها، أو غير عابث في اللحمة الوطنية ولا يتبع لأي أيدي خفيّه.

 

هل تعلم إنّ التخلّف والتّقدم لدى الأمم والشّعوب في الفكر و الحضارة؛ بينهما فرق شاسع واضح لمن أراد...

 

فالأول يسألك من أين أنت، والثاني يسألك من أنت.

 

الأوّل يضحك على نفسه، والثّاني يضحك مع نفسه.

 

الأول يكذب الكذبة ويصدّقها، والثاني يشكّ بالصّدق ليصل إلى الأصدق.

 

الأوّل ماضيه وحاضره يتزاحمان عُرفيّاً فيخرج مستقبله مشاركاً خائفاً مرعوباً، والثّاني ماضيه وحاضره يتنافسان شرعيّاً فيخرج مستقبله منافساً آمناً مطمئنّا.

 

الأول تجبره قوانينه على احترامها فيكرهها، والثّاني يُجبِر قوانينه على احترامه فيُحبّها.

 

وآسفٌ أشدّ الأسف لأنْ أتوقع وأقول: في حال بقينا على ما نحن عليه من تلقين في خُبث (أقول خُبث) التفكير الدّائري (باتجاه عقارب السّاعة) وليس أفقي أو عمودي؛ فسنغنّي جميعاً وقريباً على مسارح ملاحم ياجوز أو ملاحم جمرك عمان البلديّتين، وبإشراف أسوأ وأقسى اللحّامين؛ الأغنية المشهورة: خمس الحواس سائلني: هالحين وين انته وأنا وين؟