شموس كأس العالم


كان الإنسان الأول يطارد فريسته بشكل جماعي وعشوائي، ومع آلاف السنين لم يحدث كثير من الاختلاف، فما زلنا نطارد صيدنا بشكل جماعي ايضاً، ولكن بطريقة أكثر تنظيماً، وهذا الصيد الثمين تغير شكله وحجمه وسرعته، فأصبح بهيئة (كرة القدم)؛ ولهذا نتطاير فرحاً وسروراً كلما أحرزنا هدفاً في المرمى، فكل هدف ليس إلا فريسة مفترضة.

هل جاءت الرياضة كحاجة ضرورية لتحرير بني الإنسان من غريزة ونزعة العدوانية؟!. فلماذا إذن، تفاقمت شرور هذا الكائن، وتفاقمت حروبه وكروبه؟، ولًمَ كلُّ هذا القتل المبثوث كلما تقدمنا رياضياً؟!. أم أن الرياضة فشلت في تهذيبنا؛ فبقينا على عدوانيتنا المقنّعة؟!

الموسيقى والرسم وخرير الماء وحفيف الشجر وبريق النجوم، كلها فشلت أن تكون لغة مشتركة للعالم الكبير، في الوقت الذي نجحت الكرة أن تصبح لغة موحدة واحدة، تنطق بها كل الأقدام وتركلها. منتهى التقدم والحضارة: إنه عالم يفكر بقدميه... ليس إلّا.

اقترح ملك حكيم في الصين القديمة على أحد علمائه النوابغ أن يخترع لعبة تحترم ذكاء وتفكير الإنسان بعيداً عن لعبة النرد التي تستجيب للحظ ولا يقودها سواه، وبالفعل كانت لعبة الشطرنج. وبعد أن راقت له اللعبة وراجت في مملكته قرر هذا الحكيم أن تلغى كل المعارك الطاحنة بين البشر، وتتحول إلى مباريات صامتة بالشطرنج، والفائز يأخذ ما يريده من الخاسر. وفي عالمنا اليوم: هل سيجتاح صاحب الركلة المميزة السديدة القوية عالم المستقبل ويسوده؟!.

ما دامت الرياضة قد وحّدت مشاعرنا العروبية. ولماذا لا يشكل العرب فريقاً قومياً موحداً على أعلى مستويات التدريبات والدعم والرعاية، ليحمل همومنا وقضايانا وآمالنا، ما دامت السياسة ورجالها قد قصروا في حمل هذا العبء، فعلنا ننتصر في المستطيل الأخضر، ويصبح لنا ضربة قدم في مرمى هذا العالم!.

مملكة كرة القدم غدت المملكة الوحيدة العتيدة، التي لا تغرب عنها عباءة الشمس، وكل شيء صار في خدمتها وطاعتها: السياسة، الأدب، الصحافة، السياحة. فهل تخدمنا هذه الرياضة، وتهذب من شراسة قروش العالم، وبطشهم وتقلم شرورهم الشائطة؟!.

التعليق