الكتابة بعيدا عن الرزاز


كما تجف أي زهرة جميلة بعد الربيع وتذرها رياح أيلول يمضي العمر ليخلو تباعا وبدون انتباه من عطر الحياة وكأنه تلك الوردة الربيعية التي تفقد شذاها كلما تفتحت أكثر ولا تعود نفسها رغم أن الربيع يعود دائما ويحمل أزهارا جديدة تبث الذكريات أكثر من جمالها في قلوب نالها ما نالها من التعب ومثلها تستكين للذكريات أيضا كما أزهار جفت قبل أوانها، والحال لا ينال من السنديان أبدا أيا كانت الفصول فأين هو الوقوف منها وتقمصها والعهد بالدنيا عهد الروح بها دون الرضوخ والالتفات ليافطة الوقوف إجباري.
ويجف أيضا الإحساس فلا يعود يحمل أشواقا وتغيب اللهفة دون انتحار وإنما استسلام ليأس تراكم وما زال يفعل، وتختفي الوجوه خلف أيام ما عادت لها والظن كان دوما أنها ستظل مشرقة، والدهر نفسه ما نال يوما من أمل فكيف يموت هذا قبل أن يجف آخر ما في الروح من نفس، وكيف استوى أن تشيخ القلوب على هدي رماد كان لهيبا ولا تدري أن المستحيل ليس هنا ابد وان طائر العنقاء يخرج منها وإن بلغت من العمر عتيا.
ولما يستوي اليأس والحنين لا يعود عزفا لناي أو قيثارة، والأسى لما يطال الغيب والماضي رغم انه كان جميلا وننسى أن الحاضر أحلى فان الحياة نفسها تكون قد أوقفت نفسها عند الحد الذي تريد أن تنتهي عنده، وآنذاك لا يكون العمر أكثر من مشوار خلا فجأة من كل العمر.
والإدراك الآن أكثر في الطريق الذي لم نصل نهايته، ومنّ له أن يدري ماذا بعد هناك وماذا يمكن أن يأتي به ربيع جديد، وأي كان كل خريف فان خريف العمر نفسه يكون شجرا عاليا لا يمل الصعود إلى أعلى بكل ما في الدنيا من نشوة تدعو لمزيد من عمر بأيام حقيقية، وليس معلوما لماذا هناك من يستسلم دائما رغم كل أدوات النصر التي في أعماقه ويصر على التخلي عنها طواعية ليموت قبل أن يحل الموت فعلا.