تفاؤل حذر بمرحلة جديدة!



لا أستطيع شخصيا إلا التفاؤل بتكليف الدكتور عمر الرزاز بتشكيل الحكومة الجديدة، أولا للأرضية والظروف التي جاء على أساسها هذا التشكيل، وهي إنها جاءت استجابة مباشرة للاحتجاجات الشعبية الواثقة والمثابرة في الشارع والذي (أي الشارع) حدد سقفا جديدا لمطالب الناس من الحكومة، تماهت معه الارادة السياسية العليا، بل ودعمته القيادة، ما انعكس بوضوح في كتاب التكليف وصيغته غير المسبوقة.
والسبب الثاني للتفاؤل هو سيرة الرزاز في العمل العام والمناصب التي تقلدها، حيث عكست دائما وجود رؤية إصلاحية وعقلية منظمة ويد نظيفة، والأهم أن مثل هذه العوامل هي ما جاءت به لموقع المسؤولية الأول في الحكومة، في هذا الظرف الحرج والصعب الذي تحتاج، فيه الدولة وليس الحكومة فقط، لأداء مختلف يبث الثقة والتفاؤل بمستقبلنا.
رغم ذلك، فانه تفاؤل حذر لا ينهي حالة القلق من القادم، ومن فشل الرهان –لا سمح الله- على الرجل وحكومته المرتقبة، في تقديم هذا المختلف وانتشال الناس والبلاد من الأزمة العميقة التي تعيشها، تحديدا في بعدها الاقتصادي الاجتماعي الخطر، وتحقيق انعطافة حقيقية حتى لو لم تكن جذرية، في النهج الاقتصادي والمالي للحكومة، بما يعتمد أساسا محور النمو الاقتصادي وتحريك السوق والتشغيل بديلا للمحور الذي اعتمدته أغلب الحكومات الاخيرة المتعاقبة، وهو محور سد عجز الموازنة بجبائية متوحشة، استنادا لتوسيع قاعدة الضرائب والرسوم ورفع الدعم وتقليص مخصصات الحماية الاجتماعية نسبة إلى تزايد الإنفاق العام وحجم الموازنات وما يجبى.
متفائل، لكني أخشى على الرجل ورؤيته الاصلاحية من صف عريض من مراكز القوى والنفوذ و"الديناصورات"، والتي لن تسلم بسهولة في التنازل عن مصالحها الفاسدة والمشوهة لصالح التغيير والاردن الجديد، ولتغيير آلية انتاج النخب وتعزيز دولة القانون والمؤسسات والعدالة الاجتماعية. أخشى عليه وعلى حكومته من عدم القدرة، أو حتى الاستسلام مبكرا، والتنازل عن الولاية العامة للحكومة لتعود "حليمة لعادتها القديمة"!
أخشى عليه من مجلس اعتاد، بكتلته الحرجة، أن يضحي بالمهمة الدستورية للمجلس في الرقابة الحقيقية والمسؤولة على السلطة التنفيذية لتمرير مصالح شخصية وانتخابية على المصالح العامة، ما يعيدنا إلى المربع الأول الذي انتفضت عليه الناس في احتجاجاتها الأخيرة.
كما أخشى عليه من أن يخذلنا وأن تكون عظامه لينة وهو يتقدم للمسؤولية أمام صعوبة الظروف والتحديات، وصراع المصالح والنفوذ، وأن يفقد أمله بالناس أمام ما ستواجهه حكومته من مراكز القوى والنفوذ، وليتذكر انه لولا الناس واحتجاجاتهم وصوتهم الهادر بكل المحافظات على مدى الأيام القليلة الماضية لم يكن ليصل إلى رأس المسؤولية، ولولاهم لم يكن ليكون عنوان سحب فتيل الأزمة والاحتقان الشعبي هو تشكيل حكومة الرزاز .
أخشى عليه أيضا، أن يحمل على ظهره وزراء ومسؤولين غير كفؤين أو ممن لا يتحلون بالقدرة على تحمل المسؤولية للاشتباك مع الناس وهمومهم وأوجاعهم، ومع الفاسدين والخارجين عن القانون بكل مستوياتهم ونفوذهم.
وأخشى عليه من نفسه، ومن وقوعه في قصور النظر وغياب التفكير الشمولي في سياسات حكومته وقراراتها، وهو ما وقعت به الحكومات الأخيرة، حيث غاب التفكير الشمولي، وتم اعتماد سياسة الجباية والفرض دون النظر للصورة بكليتها، وهو ما أوصلنا لخروج الناس إلى الشارع باحتجاجاتهم، وبعد أن كان أوصلنا، بما خلفه من اتساع بمساحات الفقر وبحدته وتزايد البطالة وتآكل الأجور وانسحاق الطبقة الوسطى، إلى تزايد انتشار الجريمة والتسول والمشاكل الاجتماعية الخطيرة.
وأخيرا؛ أخشى عليه من محبيه ومن النخب المؤمنة بضرورة التغيير للنهج والشخوص، من أن يجاملوه غدا إن قصر أو أخطأ أو عجز، عن الارتقاء لطموحات الناس، فهالة رئيس الحكومة والاقتراب منها –وللأسف ورغم كل النقد من على المنابر العامة- ما تزال مغرية للكثيرين، وتعمي أبصار العديدين، وتدفعهم لتزيين القصور والعجز والخطأ، وهو أمر لن يستقيم هذه المرة مع حكومة يفترض بها انتشال الشارع الغاضب من أزمة غير مسبوقة!