الدوار الرابع .. والسلط

قبل أشھر , كنت في السلط , وتصادف أن اندلعت مسیرة ھناك ..وأنا حین أكون في مسیرة لا أنظر ... للوجوه , ولكني أنظر للمكان الذي اندلعت فیھ المسیرة صادفت في طریقي شارع الحمام , وعمره مئة عام تقریبا وشاھدت مدفعا نصبتھ بلدیة السلط , قیل أنھ أحد المدافع العثمانیة وعمره أیضا مئة عام ...وحین تنظر للمباني التي صعدت الجبال تكتشف أنھا غارقة في التاریخ , ولكل شباك فیھا ألف حكایة وألف قصة حب اندلعت عبره ...حتى الأبواب في السلط ... , تخبرك بأنھا جاءت من عھود ما قبل الدولة في لحظة تنسى الھتافات , تنسى المسیرة وتغرق في المدینة والمدینة ذاتھا تغرق في قلبك , ویأسرك..منظر صبیة خرجت على البلكونة كي تراقب المسیرة , یأسرك ...كیف یمتزج الجمال والخجل مع بلكونة بنیت ربما في زمن الحزب الإشتراكي وعبدالحلیم النمر الحمود وتنظر لحدید الحمایة الذي نصب على أطرافھا وتسأل نفسك كم شتاء مر على ھذا الحدید وكم من ید حانیة شدت علیھ حین اعتراھا الشوق والحنین . بالمقابل المكان في الدوار الرابع مختلف , الحجر الذي یغلف الجدران فاخر جدا ..ولكنھ خال من التاریخ , والشبابیك التي غلفھا البذخ والفنون الھندسیة الحدیثة , لا تأسرك بقدر ما تستفز فیك صراع الطبقات ...وشجر النخیل الذي انتزع من وطنھ , وأتوا بھ لیجمل المباني الحدیثة تشعر أنھ غریب عن المكان وتشعر أیضا بغربة النخل ...والأرصفة التي طعمت بالإنارة ..تشعرك بأن القصة مرتبطة بالمال .... ولیست مرتبطة بالجمال طافت عیني أمس على المباني ھنالك , علني أجد بلكونة بنیت من زمن الحزب الإشتراكي وصالح المعشر وعبدالحلیم النمر ..أجد بلكونة امتطتھا بنت سلطیة , وقد لفت الإشار على رأسھا بسرعة فائقة , وأیقنت في لحظة أن اصوات الھتافات ...وھدیر الحناجر السلطیة , ربما یجعلھا تشعر ..بأن ما یحدث ھو لیس مسیرة وإنما قصیدة غزل , صاغھا عرار ..على سور من أسوار مدرسة السلط ..وشكى لجلعاد عن . العیون السلطیة في الدوار الرابع تشعر أن البذخ والحجر خائف منك , ولكن في السلط تشعر أن المباني القدیمة والشوارع ... تھتف معك وتسمع صوتھا ... . وصوت من عبروا علیھا ... في الأردن وحده , وفي السلط وحدھا ... حین تضع البنت یدھا على حدید بلكونة قدیمة , یذوب الحدید الحب لدینا , قرر أن ینتفض أیضا ... والتاریخ ھو الاخر قرر أن یحتج .... من یجرؤ على مواجھة الحب والتاریخ ؟