عن الإعلام الإسرائيلي ومرض عباس


يتلقف الإعلام «الإسرائيلي» كل حدثٍ صغير، ليبدأ ضخه الإعلامي، وسردياته التحليلية، جاعلاً منه مادة خبرية وسياسية رئيسية لعدةِ أيام، وأحياناً لعدة أسابيع. ويُرَكّز الإعلام «الإسرائيلي» في هذا على أخبار الإثارة، التي تَجلب الجمهور أولاً، بما في ذلك الجمهور الفلسطيني في الداخل، وتدفع المحللين السياسيين لتقديم التنبؤات والتقديرات ثانياً.


أخبار الإثارة التي يلتقطها ويروّج لها الإعلام «الإسرائيلي» ليست بهدفِ جلب القراء فقط، أو توسيع نفوذ وحضور المطبوعة صاحبة الخبر، وزيادة مبيعاتها، بل إنَّ الغرض الرئيسي من وراء ذلك سياسي بالدرجة الأولى، حيث تتبع مُعظم الصحف الإسرائيلية الكبرى للأحزاب القائمة، أو ممولة من قبل أباطرة الصحافة والإعلام الذين ينتمون لأحزابٍ وقوى سياسية في نهاية الأمر، ويرتبطون مع مواقع الأحزاب الكبرى ومصادر القرار في إسرائيل.

ومن يتابع إعلام دولة الاحتلال «الإسرائيلي» في الفتراتِ الأخيرةِ، يُدرك بجلاء أنَّ منظومة الإعلام «الإسرائيلي» نَشطَت في الأيام الماضية، في استجلاب الحالة المرضية الطارئة والعرضية التي مَرَّ بها الرئيس محمود عباس، وبدأت بإعادة إنتاجِ مقولاتٍ «أكل عليها الوقت وشرب» بشأن الشريك الفلسطيني، وذلك لتحقيق جملة من الأهداف السياسية، منها إحداث الإرباك في الساحة الفلسطينية، والتشويش على الوضع الداخلي الفلسطيني، والعودة للحديث عن الشريك القادم، أو القائد القادم، مع تقديم سيناريوات عن البدائل، وإثارة اللغط، لإشغال الفلسطينيين بهموم الشأن الداخلي المتعلقة بالموقع القيادي الأول، حتى وصل الأمر لإعلان وفاة الرئيس محمود عباس غير مرة على عدة مواقع تابعة للإعلام «الإسرائيلي»، منها القناة العاشرة للتلفزيون «الإسرائيلي».
 

ولنا أن نتابع وأن نقرأ ما كتبه ويروّج له الإعلام «الإسرائيلي»، حتى نستخلص ما تريده حكومة نتانياهو، وحتى نُدرك دور الإعلام الإسرائيلي في هذا الجانب، وحقيقة الموقف من اللعب بموضوع الحالة المرضية الطارئة للرئيس محمود عباس، فبعض الكتابات في الإعلام «الإسرائيلي» تحدثت بطريقتها عن الحالة العرضية الطارئة لمرض الرئيس محمود عباس، حيث رسمت سيناريوات قالت فيها بـ «أن الصراعات على خلافة أبو مازن قد بدأت تَدُبُ بالمقاطعة في رام الله». وأنَّ «السلطة الفلسطينية ستنهار بعد موت محمود عباس، وستختفى تماماً من مناطق الضفة الغربية». كما في دعوتها «الحكومة الإسرائيلية بالاستعداد، لكي تحل مكان السلطة، أو تقوم بإعداد مجالس حكم محلية مستقلة، لكل مدينة بالضفة الغربية».

وفي حقيقة الأمر، إنَّ مواقف الرئيس محمود عباس الأخيرة، والتي جاءت مُتراكمة بعد الاعتراف الأميركي بالقدس كعاصمة لــ «إسرائيل» نهاية عام 2017، وصولاً لما أطلقه من تصريحاتٍ ومواقف نقدية لسياسات الإدارة الأميركية بصدد الموضوع الفلسطيني، بما في ذلك ما ورد في كلمته السياسية الشاملة في اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني منتصف شهر كانون الثاني (يناير) 2018 في رام الله، وفي اجتماعات الدورة الثالثة والعشرين للمجلس الوطني نهاية نيسان (أبريل) وأوائل أيار (مايو) 2018، هذه الموقف بَدَت وكأنها قطعت بالكامل مع الموقف الأميركي، والإسرائيلي بالطبع، فبات الرئيس محمود عباس في موضع بؤرة (المِحرَق) في وسائل الإعلام الإسرائيلية التي بَدَت تَغزُل وتَنسُج التقديرات والسيناريوات عن فقدان الشريك الفلسطيني، وعن مرحلة ما بعد الرئيس محمود عباس، وتصاعدت تلك الأحاديث أخيراً في الإعلام الإسرائيلي بعد الحالة المرضية الطارئة للرئيس عباس.

إنَّ القرار الأميركي بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، والرفض الفلسطيني القاطع للموقف إياه، ولما ما بات يُعرف بـ «صفقة القرن»، دَفَعَ أكثر فأكثر باتجاه الحديث عن البدء بمشروع عزل القيادة الفلسطينية، وتحديداً الرئيس محمود عباس، وبالتالي كانت مسألة الحالة المرضية العارضة الطارئة التي أصابت الرئيس محمود عباس، مدخلاً لوسائل الإعلام الإسرائيلية لإطلاق مسألة البديل الفلسطيني. وفي هذا فإن الإعلام الإسرائيلي يتصدر معركة سياسية بامتياز، برعاية وتوجيه مصادر القرار في إسرائيل، نستطيع تتبعها من خلال التسريبات التي يبثها في شأن مرض الرئيس عباس واستتباعات الحالة الفلسطينية الداخلية وفق التقدير الإسرائيلي.