نقابة للمعلمين منزوعة الدسم


كان حلماً جميلاً يراود هذا القطاع المظلوم من المعلمين, بتأسيس نقابة لهم ترعى شؤونهم وترتقي بمستواهم المهني, وتدافع عن حقوقهم, وتؤمّن لهم تكافلاً اجتماعياً مريحاً, كما تفعل بقية النقابات الوطنية لمنتسبيها وأعضائها من خدمات جليلة على صعيد الإسكانات, والقروض, وتأمين حالات العجز والشيخوخة, إضافة إلى دورها الوطني المحمود في جميع المجالات والأصعدة ذات الأثر بمستقبل هذا الوطن والأجيال القادمة.

كانت الحكومات المتعاقبة دائماً تعرقل هذا الحلم وتحطم هذا الأمل, حتى جاءت تباشير فجر الربيع العربي, الذي جعل أصحاب القرار يبدون بعض التجاوب في هذا الشأن, وتم إطلاق وعد رسمي حكومي بتأسيس نقابة للمعلمين.

وأخيراً أقرّ مجلس النواب قانون نقابة المعلمين, ولكن أرادوها نقابة منزوعة الدسم, من خلال كثرة الممنوعات والقيود العرفية التي تفرغ النقابة من جزء كبير من مضمونها وأهدافها وغاياتها.

وهناك مجموعة ملاحظات حول مناقشة مجلس النواب لمشروع قانون نقابة المعلمين:

الملاحظة الأولى المتعلقة بعمل النقابة والعمل السياسي, وهذه قضية كانت تثار بين الحين والآخر حول عمل النقابات عامًة, بأنّها تتدخل في العمل السياسي في حين أنّها يجب أن ينحصر عملها في تخصصها المهني.

وهنا ينبغي أن يقال أنّ النقاش حول تدخل النقابات في الشأن السياسي عقيم ولا مدلول له من الناحية الايجابية; لأنّ مسألة التخويف من الحديث بالسياسة والعمل السياسي, هذا كلام قديم ينتمي لمرحلة عرفية, كان يتمّ فيها استغفال الجماهير وأن لا تتحدث بالسياسة لأنّ السياسة لها رجالها ولها أصحابها, أمّا أنتم فعليكم أن تأكلوا وتشربوا وتناموا وتتزوجوا, واتركوا السياسة جانباً لأنّ الاقتراب منها لعب بالنّار ولا يأتي إلاّ بالهمّ والغمّ وصداع الرأس, وفعلاً هذا ما تم, فقد تمّ إبعاد الجماهير عن حقها في تقرير مصيرها, بل يتمّ استنكار الحديث المجرد في السياسة, ونهب مقدرات البلد تحت هذا الشعار.

ولذلك حصْر أي فئة أو مؤسسة عن التدخل في الشؤون السياسية, كلام معيب ولا يتم طرحه في المجتمعات الديمقراطية; لأنّ الشأن السياسي شأن مهم ويتعلق بحياة ومصير أي فرد في المجتمع, مهما كان تخصصه, ومهما كان موقعه.

الملاحظة الثانية, تتعلق بالنقابة والعمل الحزبي, وهذه الملاحظة أيضاً من مخلفات الحقبة العرفية, التي تعد العمل الحزبي نوعاً من أنواع الأمراض والأوبئة الخطيرة التي يجب صيانة المجتمعات النقابية منها, وكذلك الجامعات والمدارس والطلاب والمعلمين والموظفين.

لأنّه تمّ ترسيخ فكرة في أذهان العامّة منذ ولادتهم "إياك والعمل الحزبي", وكل من يمارس العمل الحزبي يجب أن يخضع للحجر الصحي, فهذا يحظر عليه دخول الجامعات, أو دخول وزارة الداخلية أو الخارجية, أو الأحوال المدنية أو الإذاعة أو التلفزيون, أو مؤسسات الدولة الأخرى, فضلاً عن المؤسسات العسكرية والأمنية.

جزء كبير من المواطنين ينفرون من كلمة حزب وحزبي, ولديه انطباع أنّه يمارس عملاً ضد الوطن, وخارج القانون والدستور والأعراف العامّة, وأنّ الحزبية لعنة لا تصيب (المتحزّب) وحده, بل تصيبه وتصيب زوجته وأبناءه وأقرباءه إلى الدرجة الرابعة.

هل من المعقول أن يتمّ الآن وفي مجلس النواب اشتراط عدم ممارسة العمل الحزبي كقيد وحظر يفرض على أي مؤسسة مدنية, وهل سمعتم أنّه يتم مثل هذا النقاش العقيم في الديمقراطيات العريقة والحديثة, ولذلك يجب مراجعة مفهوم الحزبية من الناحية الثقافية من خلال الممارسة في الواقع والميدان العملي.

الملاحظة الثالثة, تتعلق بصلاحيات الوزير بالتدخل في شؤون النقابة, ولماذا هذا القيد العرفي الظالم, فالنقابة جسم وطني, ومؤسسة متكاملة لها أعضاؤهها وهيكلها الإداري, ومؤسساتها القيادية, لا تحتاج لتدخل الحكومة على الإطلاق, وليس من المعقول أن يتم رهن مستقبل آلاف المنتسبين إلى النقابة إلى مزاج وزير حكومي.

والملاحظة الرابعة, تتعلق بحظر تدخل النقابة بالسياسات التعليمية والتربوية والمناهج والبرامج والمعايير المهنية وشروط مزاولة مهنة التعليم, والمسار المهني والوظيفي للمعلمين

هذا الشرط الظالم والمجحف لا يراد منه إلاّ إفراغ النقابة من مضمونها الحقيقي, وجعلها غلافاً أجوف لا دخل لها ولا أثر في المهنية ومعيارها, وهذا مخالف للمنطق والعقل, ومخالف لكل قوانين النقابات الأخرى وأنظمتها مثل نقابة الأطباء والمهندسين والمحامين, وغيرها, حيث أنّ النقابة لها صلاحيات جوهرية ورئيسية في شروط المهنة ومعيارها وبرامجها, وهذا يمثل أهمّ غاية من وجودها.

rohileghrb@yahoo.com