الإعلام وانتهاك الخصوصية

 


بالرغم من النفوذ السياسي والمالي الواسع للأسترالي روبرت ميردوخ، وهو إمبراطور الإعلام في بريطانيا فإن القوانين البريطانية النافذة حول مسؤولية الإعلام لم تتجاوزه ولم تسقط تحت أقدامه، وهو الآن يواجه خطرا حقيقيا في تفكك إمبراطوريته الإعلامية بدءا من إغلاق صحيفة «أخبار العالم» والتي تعتبر الأقدم في بريطانيا والعالم.

صحيفة أخبار العالم رضخت للقانون البريطاني وأعلنت إغلاقها بسبب فضيحة قيامها بالتنصت الهاتفي على شخصيات سياسية واقتصادية ورياضية وحتى عائلات عادية ومنهم ضحايا العمليات الإرهابية ضمن شبكة واسعة من انتهاك الخصوصيات الشخصية بهدف نشر الأخبار والتحقيقات المثيرة التي كانت الميزة الرئيسة في هذه الصحيفة والتي مارست ايضا الابتزاز السياسي والمالي بحق المشاهير في بريطانيا والعالم.

في المنظومات التشريعية الحضارية المتعلقة بالإعلام يبقى الحرص دائما على التوازن ما بين حرية الإعلام وما بين المسؤولية الأخلاقية وتعتبر قضايا الخصوصية الشخصية من أكثر المحاور حساسية في التشريعات والسلوكيات الإعلامية في العالم وحتى في أكثر الدول ليبرالية في المجال الإعلامي. الحد الفاصل يجب أن يكون واضحا ما بين حرية الإعلامي في الحصول على المعلومات التي تقدم المعرفة والحقيقة للرأي العام وما بين حقوق الخصوصية الشخصية حتى للشخصيات العامة مثل رؤساء الدول والوزراء ورجال الأعمال ومشاهير الفن والرياضة.

في الإعلام العربي بقيت قضايا الخصوصيات الشخصية في الصف الخلفي نظرا لوجود القيود السياسية الهائلة على الإعلام ولكن مع انفراج بعض القيود السياسية وانتشار الإعلام الحديث وبخاصة التصوير الفوتوغرافي وتصوير الفيديو بالهواتف النقالة تم تجاوز الكثير من الحواجز الأخلاقية في العلاقة ما بين الشخصي والعام في وسائل الإعلام، وباتت هذه المسألة بحاجة إلى توافق إعلامي وتشريعات تضع في عين الإعتبار حقوق الخصوصية الشخصية للناس.

أحد الأمثلة الساطعة على المشاكل التي يمكن أن تنشأ من انتهاك الحرية الشخصية هي تسجيل الفيديو الذي تم تحميله على موقع يوتيوب ويصف لحظات انفعال وغضب الزميل ياسر ابو هلالة مراسل قناة الجزيرة بعد تعرضه لإعتداء من أحد عناصر الأمن في اشتباكات ساحة النخيل قبل أكثر من اسبوع. التسجيل المفصل والدقيق والواضح الذي قام به شخص مشارك في المسيرة ومتابع وربما يحظى بثقة من كانوا حوله هو انتهاك فاضح للحظة انفعال قد يمر بها كل إنسان منا، وقد تم هذا الانتهاك ونشره والإساءة إلى الزميل من دون أن يهتم أحد بالتعليق على أهمية الرفض الأخلافي لمثل هذه الممارسات.

هل نقبل لأنفسنا ولغيرنا، وتحت ستار حرية التعبير والنشر أن نسمح لأشخاص يتجولون بهواتفهم المحمولة ليصوروا أحاديث ومناقشات خاصة تصبح فورا بمثابة فضائح إعلامية يتم تداولها عبر قنوات الإعلام الجديد ذات الانتشار والتأثير الواسعين؟ أعتقد بأننا يجب أن نتوقف وبكل دقة وتركيز لنناقش معا المحاور المقبولة والمرفوضة لحرية التعبير والنشر وأن نضع الحدود الفاصلة ما بين حرية المعرفة وما بين انتهاك الخصوصية الشخصية.

هنالك حاجة إلى «تنظيم ذاتي» من قبل الصحافيين أنفسهم ربما من خلال النقابة لوضع ميثاق للحدود الأخلاقية لحرية التعبير ومنع وملاحقة كل عملية بث مرئي أو مسموع لتصريحات خاصة لأشخاص لا يرغبون في بثها لأن مثل هذه الممارسات قد تؤدي إلى اغتيال الشخصية والسمعة وربما ما هو أخطر من ذلك في المستقبل.

batirw@yahoo.com