محمد خلف بنات


مثقلة بحمل في بطنها ومثقلة بخوف على أبيها وأهلها ومثقلة بهم على دينها تخرج جنرالة الهجرة أسماء بنت أبي بكر لتقوم بوظيفة الاستطلاع والتموين مستثمرة ذلك الجهل الجاهلي الذي كان يستقل بالمرأة فلا يجدها الا مصدرا لعار يدفن أو شهوة تقضى!! فكان اكتمال قوتها من حيث ظنوها ضعيفة مكسورة لا تقوى على حمل نفسها ناهيك ان تقوم بمهمة خطيرة في ظرف دقيق قد يعجز عنها الكثيرون خوفا!
أما هي المسلمة العزيزة فقد تبوأت بالاسلام موقعا وأدوارا ما كانت تفاضل بينها وبين الذكور الا بالقدرة والتقوى.
أخرجها الرسول صل الله عليه وسلم في طريق الهجرة في الخطوات الاولى لبناء الدولة الاسلامية، لم ينتظر لتستقر الأمور ويتهيأ الظرف او تستكمل أسماء كل معطيات قيادة الموقف ولم ينظر لمن حوله من الرجال وكان هناك رجال من الأوائل يهدون الجبال، كانت أسماء، المرأة، الحامل برقة الانوثة وبثقل الأمومة هي خيار رسول الله في وقت بدا للناظرين فيه ان حياة الدين، رسولا و رسالة، على المحك!
كانت أسماء اختيار رب العزة هدى اليه رسوله فهو سبحانه من سوى في الخطاب بين ذكور الأمة وإناثها بخطاب الإيمان "الذين آمنوا" ثم بخطاب الولاية و"المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض" ثم بخطاب الشقائقية في حديث رسوله "النساء شقائق الرجال".
خرجت أسماء حاملا لتضرب درسا في الأمومة وأن بعض الأبناء يتخلقون في أرحام أمهاتهم صالحين ومجاهدين فكان عبد الله بن الزبير ولتقول أن الأسرة لبنة إقامة الدين من أصغر جنين يتخلق في الرحم الى الام والاب أيا كان العمر والعبء والأشغال، لتقول أن المعيقات لا تكون الا في النفس المعاقة والمثبطات لا تكون الا لمن قعدت بهم همتهم، أما من استمعت وفهمت خطاب ربها فلن يقعدها لا حمل ولا بيت ولا مجتمع أن تنافس المتنافسين، رجالا ونساء، لصناعة مجد هذا الدين بل وتخرج لهم وبهم ومعهم.
هذه المرأة التي خرجت بابنها جنينا، معرضة نفسها واياه، بحسابات عصرنا، لخطر محقق اكتمل نموذجها واشرقت القدوة فيها وهي تودعه الى مثواه الاخير، صبرت على الآمها وهو جنين في طريق الهجرة، في طريق الجنة المحفوف بالمخاطر والمكاره لتعلمه درس الصمود الاخير في مواجهة الطغاة بل وتعلم العالم بعدها أن الحق لا يسعى الى الباطل ولا يستعطفه ولا يستشفعه ولو كان المقتول المصلوب ابنها وتكتفي أن تمر من جانبه بزفرة حرى قالت فيها "الم يأن لهذا الفارس أن يترجل؟!" توافقت النهايات مع البدايات وأثمر الزرع حصادا خيرا عميما ومضت السنن أن من عمل صالحا من ذكر أو انثى فسيخلده الله مثلا للمؤمنين.
ظلم بعض كتاب ومؤرخي الفكر الاسلامي فاختصوا الرجال بالمكانة ووثقوا تاريخهم فكتبوا "رجال حول الرسول"، أما النساء فنسوا شهادة الرسول لأم عمارة، تلك العسكرية والجندية التي مدحها الرسول يوم أحد، يوم ماج الميدان والابتلاء بالرجال، فكانت هي المرأة، أم عمارة تقال دونه وما التفت يمنة ولا يسرة الا وجدها.
تحل علينا الان ذكريات أليمة ويتشابه تاريخ الاخرين بالاولين في مرحلة الشدة والملاحقة لكل من يقول ربي الله وتبرز ذات الأمثلة ويشاء الله أن يضربها للأمة في كل زمن منارات ومشاعل هداية واستبشار ففي الوقت الذي رابطت فيه أسماء على باب غار ثور تحمي بضعفها عمودا من أعمدة الدين ترابط المقدسيات في الأقصى لتحمي قبلة المسلمين الاولى وثالث مساجدهم وبوابة السماء ومعراج نبيهم وأرض خلافتهم الاخيرة بسلاح أسماء وام عمارة ذاته، أنوثة يصنعها الايمان فيحيلها قوة يخر لها المتجبرون بالسلاح والقوة المادية.
لا يختلف الصهاينة في جهالتهم وغبنهم للمرأة وقدرها عن مشركي الجاهلية فيوم احتلوا القدس في حرب ٦٧ اخذوا يرقصون ويغنون متفاخرين: "محمد مات خلف بنات"، كناية عن موت وضعف الرجال واستهزاء بالنساء ظانين انهم سيكونون في مأمن بعد ان قتلوا الرجال وسجنوهم وأبعدوهم فما عاد أحد يقف لهم بالمرصاد!
ولكنهم يعرفون اليوم خطأ حساباتهم وان محمدا قد مات وترك بنات لا خلاف على ذلك ولكن بأس هؤلاء البنات يزلزل قلوبهم في كل صيحة الله أكبر، شدة هؤلاء البنات تقف لهم عند كل اقتحام لا يعيقها أذى جسدي ولا لفظي ولا سجن ولا ابعاد ولا سحل ولا حتى خلع الحجاب، بسالة هؤلاء البنات تجعلهم يدافعون عن الرجال بل يخلصوهم من أيدي الجنود، قوة وأيمان هؤلاء البنات تبقيهن في ساحات الأقصى كل يوم لا يتخلفن لا في أمن ولا خطر ولا صحة ولا مرض حتى أصبحن يشكلن للاحتلال مشكلة عصية أكثر من الرجال!
مات محمد صلى الله عليه وسلم وفي كل يوم تطوف العالم أخبار بناته وهن يدافعن عن الدين كما دافعت بناته الصحابيات فمن يوم أن رفعنا الاسلام لم يعد لأحد أن يضعنا لا الأعداء ولا المجتمعات الجاهلة وحري بالاعداء أن يعضوا على السنتهم ويتحسسوا رؤوسهم قبل أن يستقلوا ببنات المسلمين ومن غاب عنه الخبر فليقرأ عن أسماء ورباطها الأول أمام الغار وليتفرج على بلاء المقدسيات ليعلم أن زمان حجر واستضعاف المرأة زمان جهالة ولى لن يعود.
بنات محمد صل الله عليه وسلم يقولون له: بأبنائنا وأمهاتنا أنت يا رسول الله ونحورنا دونك ودون دين