المقاومة السلمية وجرائم الحرب الإسرائيلية



قام الرئيس الأميركي ترامب بنقل سفارة بلاده الى مدينة القدس، باعتبارها عاصمة لإسرائيل، متجاهلاً تماماً كل الأصوات الرافضة لهذا التوجه سواء دولياً أو في داخل المجتمع الأميركي.
لن تغير الخطوة الأميركية من الحقائق التاريخية، فالقدس كانت عربية وستظل عاصمة لفلسطين، مهما حاولوا تزوير التاريخ، أو تهويد الأرض، أو اتخاذ إجراءات أحادية الجانب لجعل الحياة لفلسطينيي القدس لا تطاق.
خطوة الرئيس ترامب بنقل سفارة بلاده الى القدس عصفت بعملية السلام، وزادت الاحتلال الإسرائيلي عنجهية وغطرسة، ولا يوجد أكثر دلالة على ذلك سوى عمليات القتل الممنهج التي يمارسها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق المتظاهرين السلميين في قطاع غزة.
المتظاهرون في غزة لا يحملون سلاحاً يهدد جيش الاحتلال، ولكن الرصاص الحي كان لهم بالمرصاد ليحصد أرواحهم، فإسرائيل تعرف الخطر الكامن وراء "المقاومة السلمية" التي تسقط ذرائعها وروايتها المفبركة بأنها تواجه مخاطر المسلحين و"الإرهابيين".
صدقت مندوبة أميركا في الأمم المتحدة بأن اليوم التالي لنقل سفارة بلادها الى القدس لن يشهد تراجيديا عربية إسلامية تزلزل عرش "أميركا" وتسقط إسرائيل، فالمظاهرات الجرارة لم تجتَح الشوارع العربية، والزعماء العرب لم يقوموا باستدعاء سفرائهم في واشنطن احتجاجاً، والعلاقات السرية مع تل أبيب تزداد قوة.
هذا صحيح ويحدث في العالم العربي، ولكن علينا أن نقر أيضاً بأن هناك رفضاً واستياءً عربياً وإسلامياً ودولياً ينمو ويتزايد ضد إسرائيل بعد سياسات القتل المتعمدة ضد المتظاهرين، وكذلك معارضة لسياسات ترامب، وآخرها نقل السفارة للقدس.
لا يوجد لغة أوضح في التصدي للإسرائيليين أكثر من خطاب وزير الخارجية أيمن الصفدي في الجامعة العربية، فهو يقول "لا يمكن أن تظل إسرائيل تقتل الأبرياء وتصادر الأراضي وتبني المستوطنات، وتتخذ الإجراءات أحادية الجانب التي تستهدف طمس الهوية العربية الإسلامية المسيحية للقدس المحتلة وتقوض حل الدولتين سبيل السلام الشامل الوحيد من دون موقف وفعل دوليين رادعين".
ويواصل من دون مواربة وبلغة حقوقية "لا يجوز أن تمر المجزرة في غزة التي ارتكبت بدم بارد ضد رجال ونساء وأطفال مارسوا حقهم في قول لا للاحتلال، من دون عقاب، وعدم محاسبة مرتكبيها وفق القانون الدولي تخلّ عن القيم الإنسانية".
موقف وزير الخارجية الصفدي، تسنده مواقف جلالة الملك، فهو يؤكد في القمة الاستثنائية لمنظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول "القدس قبلتنا الأولى وهي توأم عمان ومفتاح السلام والوئام".
راهن البعض على مواقف مترددة وخجولة للأردن، إزاء نقل السفارة الأميركية للقدس حتى لا تغضب ولا تخسر عمان حليفها الأساسي واشنطن، ولكن كان الأردن الأعلى صوتاً تنديداً بنقل السفارة الى القدس، ومواجهة للقتل الإسرائيلي للفلسطينيين في غزة.
رغم إحساس إسرائيل بنشوة الانتصار بعد قرار أميركا نقل سفارتها للقدس، إلا أن الحقيقة من زاوية أخرى أنها تواجه عزلة وحصاراً.
فمجلس حقوق الإنسان بجنيف يقرر تشكيل لجنة تقصي حقائق دولية للبحث في انتهاكات إسرائيل في غزة، ولم يرفض هذا القرار سوى دولتين هما أميركا وأستراليا، وأيدته 29 دولة وامتنعت عن التصويت 14 دولة.
وفي السياق ذاته، يقول المفوض السامي لحقوق الإنسان، الأمير زيد بن رعد "قتل إسرائيل المتظاهرين وجرحهم بشكل متعمد يشكل جريمة حرب وفقاً لنظام روما الأساسي".
إذن جرائم الحرب تطارد إسرائيل بإقرار منظمات الأمم المتحدة، والحال ذاته من المؤسسات الحقوقية الدولية، وهو ما تقر به منظمة العفو الدولية على لسان فيليب آرثر "يستخدم الجيش الإسرائيلي القوة المفرطة والذخيرة الحية خلال الاحتجاجات بطريقة تبعث على الأسى، وهذا انتهاك للمعايير الدولية، كما أنه ارتكب في بعض الحالات ما يبدو أنه أعمال قتل متعمد تشكل جرائم حرب".
اتهام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب، وحصارها وعزلتها دولياً خطوات جيدة، ولكن ذلك لا يكفي من دون إسناد عربي حقيقي يتجاوز خطابات الشجب، بل يبدأ بفك الحصار عن غزة، وبخطوات ملموسة لمواجهة تهويد القدس، ورفض معلن لصفقة القرن عربياً، فمن غير المعقول أن يكون مندوب بوليفيا بالأمم المتحدة أكثر عروبة من العرب حين قال "أيها الفلسطينيون نحن آسفون لأننا نتقاسم معكم هذا الكوكب الظالم ونرضى بظلمكم ولا نستطيع حتى إدانة الأعمال الهمجية التي تُرتكب ضدكم لأن هذه الدولة العظمى التي نجتمع على أرضها ستستخدم حق النقض الفيتو للمرة الألف "حماية للمجرمين"".