البيت الأبيض والأيديولوجيا الصهيونية


أشبه بطقوس دينية خرافية كان الاحتفال بنقل السفارة الأميركية إلى القدس. احتفال حضره المؤمنون بحق «شعب الله المختار» والقياميون (appocalyptics ) المتعجلون عودة «المخلص» وعشرات الملحدين العنصريين من الكونغرس. يتقدم كل هؤلاء الكاهنان الإنجيليان الصهيونيان جون هاغي وروبرت جيفريس اللذان خدما «الذبيحة الإلهية»، وباركا «دونالد ترامب» لأن «من يبارك إسرائيل يباركه الرب ومن يلعنها تطاوله اللعنة».


أما «المبارك» نتانياهو فخطب بالعبرية والإنكليزية، ولم ينس الابتهالات الدينية وقال: «جبل الهيكل أصبح في يدنا الآن»، واستعار مقطعاً من التوراة جاء فيه: «سأعود إلى صهيون وأقيم في القدس التي تدعى مدينة الحقيقة».

وليكتمل الاحتفال الديني كان لا بد من «ذبيحة إلهية»، وإذا كانت «الذبيحة» في التقليد المسيحي رمزية، ففي هذه المناسبة كانت حقيقية من لحم ودم، ففي الجانب الآخر وعلى مقربة من الاحتفال كان الفلسطينيون يقتلون بالعشرات بأيدي الجنود الإسرائيليين وبأسلحة أميركية ومباركة من «الرب»، ودماؤهم تسيل دفاعاً عن حقهم في الحياة في بلادهم التي أصبحت نهبة للقادمين من الأساطير. أساطير تعقد لدراستها حلقات في البيت الأبيض، في حضور نائب الرئيس مايك بنس ووزير الخارجية مايك بومبيو ووزيرة التعليم بيتسي ديفوس ووزير الطاقة ريك بيري والمدعي العام جيف سيسيونز وأركان الإدارة، أما مدير الحلقة فالكاهن المسيحي الصهيوني رالف درولينغ. ولا ينكر بنس تماهيه «الفكري» مع منظمات صهيونية مثل «اتحاد المسيحيين من أجل إسرائيل».
 

ترامب نفسه لا يحضر هذه الحلقة الدراسية نظراً إلى انشغالاته الكثيرة، وربما لعدم قدرتيه على المتابعة، لكنه يتلقى ملخصاً لما يتوصل إليه الآخرون وجميعهم قريب منه، ويستخلص من القرير أن اعتماد ما يتوصل إليه هؤلاء أفضل ما يمكن أن يضمن له نجاحاته في الداخل. أما في الخارج، خصوصاً في الشرق الأوسط فالآلة العسكرية والتهديد كفيلان بتأمين سيطرته وإسكات أي معترض.

ولا ينطلق «إيمان» ترامب بقوة الصهيونية المسيحية من دراسة أو تعمق في الأساطير التوراتية، بل من انتشار هذا الإيمان وسط الأميركيين. فقد أظهر استطلاع للرأي أجرته شبكة «بلومبيرغ» أن حوالى نصفهم يؤيدون إسرائيل، «حتى وإن تناقضت مصالحها مع مصالح بلادهم». وتستنتج أن التعصب الديني وحده وراء هذا الموقف من الدولة العبرية فالمصالح الاقتصادية والجيوسياسية تقتضي أن تكون سياسة واشنطن متوازنة بين العرب واليهود، في أقل تقدير. وتضيف أن السبب الرئيسي لإخلاص المسيحيين الإنجيليين في الولايات المتحدة بسيط أنه: الدين، فعقيدتهم تعلمهم أن الرب يطالبهم بهذا. وتتابع: «في عام 2004، تساءل الكاهن بات روبرتسون لماذا يدعم المسيحيون الإنجيليون إسرائيل؟ وأجاب: لأننا نؤمن بأنّ كلام موسى وأنبياء إسرائيل القدامى وحي من الرب، ونعتقد أن نشوء دولة يهودية في الأرض التي وعد الله بها إبراهيم واسحق ويعقوب هو ترتيب إلهي». وأضاف أن «شعب الله المختار لديه التزام تجاه الرب بالقتال ضد المخربين المسلمين كي تبقى إسرائيل موحّدةً، وإذا استسلم شعب الرب لسيطرة الله على أقدس المواقع لديه، قبور راشيل ويوسف وقبور البطاركة والأنبياء القدامى، واستسلم للمخربين المسلمين، وإذا ما اعتقد (الشعب) بأن مطالبته بالأرض المقدسة لا تأت إلا من اللورد بلفور أو الأمم المتحدة المتلونة، بدلاً من وعود الرب الجبّار، ففي هذه الحالة سيربح الإسلام المعركة والرسالة التي ستنتشر في كل العالم الإسلامي، هي أنّ الله أكبر وأعظم من يهوه. وكل وعود يهوه لليهود ستذهب هباءً».

السياسة الأميركية التي تبنى على هذه الترهات لا مكان فيها للعدالة وحقوق الإنسان ولا للديموقراطية والقيم العليا، التي باسمها تشن الإدارات المتعاقبة الحروب وتدمر البلدان مثلما حصل في العراق أيام الرئيس المؤمن جورج بوش الابن الذي تعلم الديموقراطية من المنشق الروسي ناتان شارانسكي، واعتبر إعادة «العراق إلى العصر الحجري» رسالة من السماء.

النزعة التجارية والأيديولوجيا الصهيونية تتحكمان بإدارة ترامب.