رمضان والجهاد والإستثناءات
مرّت الدّعوة الإسلاميّة منذ بدايتها بمرحلتين أساسيّتين؛ هما المرحلة المكيّة التي كان التّركيز فيها على العقائد وترسيخ التّوحيد والقِيَم الإيمانيّة في نفوس المُؤمنين، أمّا المرحلة الأُخرى وهي المرحلة المدنيّة، فقد كان التّركيز فيها على الفرائض والحدود والأحكام العَمَليّة التطبيقيّة، ومن بين هذه الأحكام الصّوم، فكان هذا سبباً في تأخُّر فرض الصّيام إلى بعد هجرة النّبي عليه الصّلاة والسّلام؛ حيث فُرض صوم شهر رمضان المُبارك بعد تغيير القبلة من بيت المَقدس إلى الكعبة المُشرّفة بسنة ونصف؛ أي في العاشر من شعبان في السّنة الثّانية من الهجرة, جعل الله عزَّ وجلّ صيام شهر رمضان المبارك من أركان الاسلام الخمسة التي لا يصلح إسلام المرء إلاّ بالقيام بها على أتمِّ وجه؛ فقد قال رسول الله عليه الصّلاة والسّلام (بُنِي الإسلام على خمس هي شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمداً رسول الله، وإقام الصّلاة، وإيتاء الزّكاة، وصوم رمضان، وحجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً).
وقد كان المسلمون يصومون قبل فرض صيام شهر رمضان عدداً من الأيام على شكل أيّامٍ مُتفرّقة، مثل صيام يوم عاشوراء، وصيام الأيام البيض؛ وهي ثلاثة أيام من كلّ شهر هجري (يوم الثّالث عشر، والرّابع عشر، والخامس عشر)، وقد كانت الشّعوب أيضاً قبل الإسلام تصوم ولكن ليس كصيامنا الآن , قال الله عزَّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)صدق الله العظيم .
تميّز شهر رمضان المبارك بجملةٍ من الفضائل التي تُميّزه عن غيره من الشّهور، ومن هذه الخصائص أنّ القرآن الكريم نزل في شهر رمضان، قال الله عزَّ وجلّ (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ) صدق الله العظيم, و نزل القرآن الكريم جملةً واحدةً من اللّوح المحفوظ إلى السّماء الدّنيا في شهر رمضان المُبارك وتحديداً في ليلة القدر، ثم بعد ذلك بدأ نزوله على مراحلَ أيضاً في شهر رمضان في غالب أحيانه، كما أنّه نزل في باقي الشّهور بحسب الحوادث، ولكن نزوله في شهر رمضان كان بشكلٍ أظهر وأخصّ, وكذلك يتميز بوجوب صومه حيث يُعتَبر صوم شهر رمضان المُبارك من أركان الإسلام الخمسة، وشهر رمضان هو الشّهر الوحيد الذي يجب صومه كاملاً من بين شهور العام,كما يأتي في شهر رمضان المُبارك ليلة عظيمة، ليلة خير من ألف شهر كما قال الله عزَّ وجلّ (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ)صدق الله العظيم، كما أنّ الله سبحانه وتعالى قد فضَّلها عن سائر ليالي العام، كما فضَّل يوم عرفة على باقي الأيام, كذلك في هذا الشّهر العظيم يُضاعف الله عزَّ وجلّ الأجر والثّواب لعباده المؤمنين.
كما فُرض الله الجهاد في سبيله في السنة الثانية من الهجرة، لكن هذا التشريع للجهاد لم يكن دفعة واحدة بل كان على أربع مراحل، هي مرحلة الصبر والعفو والصفح و مرحلة الهجرة قال الله تعالى (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)صدق الله العظيم , وثم مرحلة الإذن بالقتال في المدينة و قال الله تعالى (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) صدق الله العظيم، وقال الله تعالى (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) صدق الله العظيم واخيرا مرحلة الأمر بقتال الكفار كافّة و قال الله تعالى (وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)صدق الله العظيم .
وهكذا فاننا في مرحلة قتال المشركين الذين لا يؤمنون بالرسائل السماويّة والذين يتخذون مع الله شريكا في الربوبية كعبدة النار والشيطان والبقر والشمس والقمر والأشخاص وغير ذلك على مرِّ القرون ولكن وبعد الحياة المدنيّة وإنتشار الشرائع وخاصّة تعميم الحريّات واهمها حريّة العبادة والمعتقد والرأي فأصبح من الصعب قتال اولئك المشركون حيث ان بعض الديانات يتبع لها مئات الملايين كالهندوسية والبوذيّة وغيرها وتحميها القوانين والشرائع الدولية والمنظمات الأمميّة ومنظّمة الأمم المتحدة والجيوش التابعة للدول التي تعيش فيها .
وقد بين الله تعالى أنه أرسل في كل أمة رسولا ، بشيرا ونذيرا ، وأنه مع ذلك لا يمنع من وجود مَن لم تبلغه دعوة الرسل من أفراد هذه الأمم ، إما لكونه في بلاد نائية ، أو كان في الفترة بين رسول ورسول ، أو كان أصم أو أبكم أو معتوها ، فلم تبلغه الرسالة ، ولم تقم عليه الحجة ، فهؤلاء يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع دخل الجنة ، ومن عصى دخل النار ، وهذا من تأويل قوله تعالى ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)صدق الله العظيم.
قال السعدي رحمه الله : والله تعالى أعدل العادلين ، لا يعذب أحدا حتى تقوم عليه الحجة بالرسالة ثم يعاند الحجة ,وأما من انقاد للحجة أو لم تبلغه حجة الله تعالى فإن الله تعالى لا يعذبه ,واستدل بهذه الآية على أن أطفال المشركين، لا يعذبهم الله حتى يبعث إليهم رسولا لأنه منزه عن الظلم .
لذلك فإنّ حرب المسلمين لم ولن تكن مع اهل الكتب السماويّة من مسيحيّين ويهود الملتزمين بكتب الله لأن رسالة الإسلام تنشر بالمودّة والموعظة الحسنة وإنّما الحرب يجب ان تكون مع من يشركون مع الله أحدا وهم في ضلالهم يعمهون .
بعد احتضان الرباط لأول قمة لزعماء العالم الإسلامي عام 1969، إثر إحراق المسجد الأقصى على يد يهودي متطرف، تطور الأمر صوب الإعلان عن تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1971، بداعي الدفاع عن شرف وكرامة المسلمين، بما فيها القدس والمسجد الأقصى, إلى غاية المؤتمر السادس الذي احتضنته العاصمة السنغالية دكارعام 1991، حيث تم إسقاط بند "الجهاد" من جدول أعمالها.
في أعقاب انعقاد الدورة السادسة من اجتماع زعماء 45 دولة إسلامية، وبحضور منظمات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية و"الوحدة الافريقية" و"حركة عدم الانحياز"، وهو الموعد الذي نظم تحت اسم "دورة القدس الشريف والوئام والوحدة"، صدر تقرير عن "لجنة الشؤون السياسية والمسائل التنظيمية والأساسية والعامة" التابع للمنظمة، يؤكد على ما نصه "استمرار تعزيز التضامن الإسلامي مع الشعب الفلسطيني والتزام الدول الإسلامية الثابت بتنفيذ جميع القرارات الصادرة بشأن مدينة القدس وخاصة إعلان الجهاد لتحريرها وتخليص المسجد الأقصى من نير الاحتلال".
وقد تضمن القرار رقم "3 / 6 - س (ق أ)"، الموسوم بشأن مدينة القدس الشريف، حول "الجهاد" لتحرير فلسطين، غاب عن البيان الختامي لقمة دكار، حيث كرّر البيان أن القضية الفلسطينية هي "قضية المسلمين الأولى"، معربا عن تأييده لـ"الجهود المبذولة لإحلال السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الأوسط"، واكتفى زعماء العالم الإسلامي بإعلان التزامهم بـتحرير المسجد الأقصى المبارك"، وتجديد الالتزام بـتعزيز التضامن الإسلامي من أجل ضمان عودتها إلى السيادة الفلسطينية والحفاظ على طابعها العربي الإسلامي.
وبعد ان كانت إسرائيل تترجّى الدول العربية ان توافق على مبدأ الأرض مقابل السلام تبدّل الحال واصبح بعض الحكّام العرب يلهثون لتقبيل يدي اسرائيل لتقبل باي سلام تريده واصبح ما تمارسه اسرائيل من قتل وتدمير وتهجير واغتيال ومجازر وغير ذلك تدخل في بنود الدفاع عن النفس بينما المقاومة والمظاهرات السلميّة تدخل ضمن الإعتداءات على سيادة دولة في منظمة الأمم المتحدة حتّى ان مندوبة الولايات المتحدة الأمريكيّة في مجلس الأمن وبناء على تعليمات أسيادها طلبت من الجلس تقديم الشكر لإسرائيل عل ضبط النفس وقتلها فقط لستون مواطنا فلسطينيا بالرصاص االحي الإسرائيلي , أيوجد صفاقة وبجاحة اكثر من ذلك ؟؟؟؟
هل اصبحت شريعة الغاب وقتل البشر هي العدالة ومقاومة العدوان هو الإستثناء كما اقرّ زعماء المسلمون في نهاية عام 1991 ان المفاوضات هي الطريق الوحيد لتحرير القدس بينما الجهاد لتحريره هو إستثناء مرفوض بإجماع قادة المسلمون وهكذا الغي الجهاد الفرض في الإسلام وفشل التفاوض الذي دام حوالي ثلاثون عاما وتحقّقت احلام إسرائيل ومخططاتها بدعم امريكي وصمت عربي .
اللهم إجعل تحرير الأقصى بأيد عربيّة وفي شهر رمضان الفضيل واكتب لنا النصر لتحقيق وعدك وساعدنا لتحقيق شرطك بأن نغيِّر ما بانفسنا .
واحم اللهم بلدنا الأردن ارضا وشعبا وقيادة من أيِّ مكروه وتفضّل علينا بمرضاتك .
أحمد محمود سعيد
البناء الأخضر للإستشارات االبيئيّة
ambanr@hotmail.com
19/5/2018