اعتقلت من تحت القبة فاشتبكت الحكومة مع المجلس وتوقفت الجلسة !!


كان العمل في الصحافة، في تلك الحقبة العرفية المقيتة، عناء وكفاحا ومشقة، وكان أقسى من شغل الكسّارات وصبّات الباطون ودك طوب الاسمنت وشغل المطاعم.
لكن الصحافة تفتح للكاتب الصحافي الجاد أوتوسترادا الى الرأي العام، وتقدمه الى الناس.
لما أصبحت «مدير الإعلام والعلاقات العامة للديوان الملكي» في آب من عام 1992، أتاح لي العمل في ظلال القائد العظيم الملك الحسين، فرصة خرافية ليعرفني الراي العام الأردني اكثر؛ فقد كنت ارافقه في جولاته الشعبية على المحافظات وفي لقاءاته مع الأحزاب والشخصيات السياسية وفتحت أبواب الديوان الملكي للكتاب والصحافيين والفنانين وشيوخ العشائر والمخيمات؛ حتى ان احد كبار الموظفين انتقدني في غيابي امام الملك العظيم فقال: «يا سيدنا، محمد جعل الديوان ديوان».
ولما علمت بهذا «النقر» قلت لنفسي: لقد مكنني هذا الثور الغبي من امساكه من قرنيه، وكمنت له؛ فقد كان صيدا رخوا سهلا.
اغتنمت اول فرصة لأقول امام الملك وبحضور البطانة كاملة: «يا سيدنا انني إن نجحت في شيء، فقد نجحت في جعل الديوان ديوان».
نظر الملك الى الموظف الكبير الذي اتهمني وقال: نشمي يا محمد نشمي. نعم. هذا الديوان هو ديوان كل الأردنيين. وقد سرّني انك تستقبل كل يوم عشرات الصحافيين والكتاب والفنانين والمواطنين وانك تساعدهم في الحصول على كتاب معالجة او قسط جامعة او اجرة منزل، ورغم كثافة انشغالاته فقد كان الملك على اطلاع بكل وقائع الديوان الملكي.
قلت: «كله من خير سيدنا». فهؤلاء هم روح بلدنا وهم حراس العرش ونكهة الوطن، وهم الأكثر عطاء والاقل اخذا.
واضفت: يا سيدنا. مجرد ان يشرب احدهم فنجان قهوة في الديوان، فإنه يعود الى أصدقائه وناسه مبتهجا وهو يقول: كنت في الديوان الملكي الهاشمي. ليس للديوان اسوار، لا عالية ولا منخفضة.
كنت اقرأ الفرح والرضى في عيني الملك وهو يلاحظ كيف افترست الذي يريد ان يظل الديوان ديوان النخبة المنافقة المحدودة المعدودة.
كان الملك العظيم يهز برأسه مطيّبا على حديثي المستمد من نهجه، وكنت استرق النظر الى وجه الموظف الكبير فأراه ممتقعا اسود كالفحم.
كما تديّن تُدان و كما تقدم تأخذ
في مطلع أيلول عام 1993: استأذنت الملك الحسين في ترك العمل بالديوان من اجل الترشح للانتخابات النيابية، حضنني وقبلني على الطريقة الأردنية، وتمنى لي التوفيق. قبلت جبهته وقلت: يا سيدنا ليس اعز من العمل في ظلالك وفي ديوانك، وارى ان واجبي هو ان اعود الى القاعدة الشعبية التي عملت معلما لابنائها وكتبت دفاعا عنها كل العمر لأمتحن قبولي عندها.
قال لي الملك العظيم: أمّا وقد حصلت على ثقة الملك، فأنا متأكد انك ستحصل على اهلنا في الطفيلة الغالية. الطفيلة المحافظة الهاشمية، توكل على الله.
ودّعت زملائي في مكتب اعلام الديوان الملكي: علي الفزاع وامجد العضايلة وحسين بني هاني وانتظرت الدكتور خالد الكركي رئيس الديوان الملكي في مكتبه لأودعه. دخل خالد هاشّا باشا. اطلعني على رسالة موقعة بخط يد الملك الحسين كتب فيها حرفيا:
«يصرف للأخ محمد داودية الراتب الذي كان يتقاضاه في الديوان».
كانت هذه مكرمة ملكية تستمر طول العمر.
خضت الإنتخابات النيابية بأقصى درجات الهدوء والمروءة والنزاهة. كنت ادخل على بيت طالبا انتخابي، فيقول لي رب البيت: لقد سبقك عبد الله العكايلة ووعدته بأن انتخبه. فأقول له مبتسما: اشكرك انك لم تخدعني ولم تغشني. إبقَ على رشدك. وحافظ على وعدك وعلى كلمة الشرف التي قطعتها. فإن عبد الله اخي وابن بلدي وهو رجل فاضل وهو احسن مني.
فيتفاجأ الرجل من ردي ومن الكلام الطيب، غير المعتاد، الذي قلته عن منافسي الغائب فيقول: اسمع يا رجل. والله انك شريف وتصلح ان تكون نائبا عني في البرلمان. وانّ كلامك الطيب هذا هو اكبر دعاية لك. ثم يباغتني قائلا: انا وعدت عبد الله العكايلة ان انتخبه وسوف انتخبه، اما انت يا داودية فسوف اطلب من زوجتي وبناتي واولادي ان ينتخبوك.
فزت في تلك الانتخابات، رغم العمل ضدي الذي اضطرني الى مقابلة الشريف زيد رئيس الديوان الملكي آنذاك، حيث بسطت له 18 قرينة تدلل على العمل ضدي. فاتصل بحضوري طالبا «التزام الحياد والنزاهة التي يصر عليها سيدنا».
طلعنا من جلسة الثقة العاصفة بحكومة الدكتور عبد السلام المجالي التي حصل فيها على ثقة على الحافة كانت 41 من 80 نائبا، أي ثقة نصف + 1، وكنت من النواب الذين حجبوا الثقة، بعدما القيت كلمة شديدة اللهجة، شددت فيها على الحكومة، نافيا ان يكون البرلمان مضمونا و»في الجيبة».
نشرت «آخر خبر» التي يصدرها باسم سكجها في السابع من كانون الأول 1993 كلمتي في جلسة الثقة كاملة من دون جميع الكلمات وعنونتها: أعنف هجوم في جلسة الثقة».
واتصل بي محمود الكايد رئيس مجلس الادارة / رئيس تحرير صحيفة الرأي قائلا: يا محمد. من اجل ان أتمكن من نشر كلمتك كاملة، اضطررت ان انشر كلمات 60 نائبا كاملة. كانت الرأي والصحف جميعها تنشر مقتطفات من كلمات النواب.
سألني صحافي: كيف تحجب الثقةَ عن الحكومة وانت خريّجُ الديوان الملكي ومدير الاعلام والعلاقات العامة له، قبل شهرين؟
قلت: فلتعلم يا أخي الكريم ان الديوانُ الملكي يُخرّجُ رجالاً ولا يُخرّج خِرافاً.
بعدما حجبت الثقة عن الحكومة، تم قطع الراتب !! تحت ذريعة اكذوبة احد كبار الصغار: «خشية ان يقال ان محمد يقبض من الديوان للتنكيل بالحكومة». استلمت الراتب المفروض ان يكون ابديا، لشهرين فقط.
كنت قد قلت في ختام كلمة حجب الثقة بتاريخ السادس من كانون الأول 1993:
«النيابة موقع لدفع الثمن لا لقبضه». لقد تحقق توقعي ودفعت الثمن.
لم اكن نادما في حياتي على ما يضيع عليّ، لأنني اؤمن بأن الرزق مقدر؛ كنت اطبّق قاعدة: «لا تخشى من تدابير البشر فأقصى ما يستطيعون فعله ضدك هو تنفيذ إرادة الله».
غرائب موجودة في الأردن
ترشحت في آب سنة 1992 لموقع نقيب الصحافيين. قبل الانتخابات بايام صعدت أبخرة وروائح «التوجيه». تم وصمي بأنني ماسوني تارة، وبأنني اقبض من منظمة التحرير تارة أخرى!!
أذهلني ذاك التدخل الفظ؛ وكان معلوما انني لست حزبيا ولا اقبض من منظمة التحرير، ولست ماسونيا.
قبل تلك الانتخابات بنحو عشر سنوات قال لي طارق مصاروة، وكان رئيس تحرير صحيفة صوت الشعب التي اعمل فيها: اسمع يا محمد، عليك ضغوط تهد الجبل. هل تعلم أن المخابرات هي من يحميك منها ؟ وأردف: ضباط «شؤون الأردن» مرتاحون لمقالاتك التي تكشف مواطن الخلل وتؤشر عليه.
قلت: انا لا أَلمس الضغوط، كما لا المس الدعم. انا ممنوع من السفر لمدة خمسة عشر عاما. وقد فصلت من عملي في صحيفة الأخبار عام 1979 من قبل وزير الإعلام عدنان أبو عودة.
ولمنعي من الكتابة قصة طريفة.
استدعى احمد العتوم مدير المطبوعات فؤاد النمري مالك الصحيفة وابلغه قرار منعي من الكتابة وكنت حينها اكتب مقالة يومية في الأخبار بعنوان «عرض حال».
قال لي النمري: لا تهتم، اكتب باسم مستعار!!
قلت له: الصحيفة مضبوطة من الباب الى المحراب، ومن المستحيل الكتابة باسم مستعار علاوة على أن أسلوبي واضح ومعروف.
قال واثقا: لا عليك. قالها في إيماءة ظننت أنه يقصد منها حصوله على موافقة للكتابة على ذلك النحو.
كتبت مقالة اختار لها النمري توقيع «أبو عواد». في صبيحة يوم نشر المقالة اتصل بي مدير المطبوعات قائلا: صباح الخير أبو عواد !!!.
تم استدعاء النمري الى وزارة الاعلام. ما ان عاد حتى ناداني قائلا: مطلوب ان تستريح من الكتابة عدة أيام.
ما بين الجمعة والسبت كما بين السماء والارض
ما ان بلغني العمل ضدي في انتخابات نقابة الصحافيين حتى اتصلت بمعالي السيدة ليلى شرف طالبا منها إبلاغ سيادة الشريف زيد بن شاكر بذلك، لعله يضع حدا لهذا التدخل الذي لا مبرر من أي نوع له.
ليلى شرف أبلغت مازن الساكت أنها اتصلت وأن الجواب هو: نحن لا نتدخل.
قلت: وماذا عن الصحافيين الذين تم ابلاغهم بالتوجه وهمسوا لي بذلك !؟
جرت الجولة الثانية فحصل منافسي على 69 صوتا و حصلت على 66 صوتا، بفارق ضئيل هو صوتان لو انتقلا من منافسي لي لفزت ب 68 مقابل 67!.
غمرتني المرارة؛ ولو كنت معاديا للنظام السياسي لقلت «الشباب» معهم حق. فهم يدافعون عن نظامهم وعن بلدهم ضد عميل وحاقد ومرتزق هو محمد داودية الذي يشكل خطرا على النظام.
جرت الانتخابات يوم جمعة وفي اليوم التالي دعا الأخ محمد القيسي الصحافيين إلى حفل غداء في مزرعته في منطقة «أبو السوس» فحضر العشرات من الزملاء والأصدقاء.
كان الغضب عارما وكان الصحافيون الحاضرون ساخطين يحسون بالإهانة.
في ظلال الملك الحسين
قبل أن نتناول طعام الغداء في مزرعة محمد القيسي في «أبو السوس» همس لي المعزّب: الديوان الملكي طالبينك، جاء اتصال هاتفي من الديوان الملكي لك.
جاء الاتصال من رئيس الديوان الملكي خالد الكركي. اعتذرت من الصحافيين المدعوين الذين قلت لهم انني مضطر للمغادرة. وإنني اعتذر عن الاستمرار لسبب طارئ. و خشية أن ينزعجوا أضفت: ليس سببا حزينا ولا سيئا.
قال لي خالد الكركي: «سيدنا طالبك، تعال فورا».
لم أكن اعرف سبب الطلب، لكنني اعرف أن في بلدنا آليات تصويب وإنصاف، لا تترك الظلم يستمر طويلا. ولا تترك مرارة في حلوق المفترى عليهم.
استقبلني الملك المهيب في مكتبه بالديوان الملكي بعناق باذخ الود وبابتسامته الساحرة الخاصة التي تفيض محبة قائلا بصوته الرخيم الذي يعشقه الأردنيون: «اهلين محمد. بدي أتعبك معي، الديوان ديوانك».
تحدث الملك عن الإعلام وعن المرحلة بعناوين مليئة بالرؤى واستغرق اللقاء اكثر مما كان مقررا له كما ابلغني خالد الكركي.
نهض الملك الجليل وهو يقول لرئيس ديوانه المحترم: «كمّل انت ومحمد».
قادني رجل التشريفات إلى غرفة فسيحة وجلست ارشف القهوة السادة وأنا لا اعلم بعد، ما الذي يدور.
دخل خالد و البِشرُ يملأ وجهه: محمد. سيدنا أمر بتعيينك مديرا للإعلام والعلاقات العامة في الديوان الملكي.
وصلني حقي. الله كبير. كانت تلك أول خاطرة داهمتني.
هذا هو مَلِكي، ملك الإنصاف و التصويب، رد لي اعتباري وكرامتي.
كان الملك الحسين دائم الإعلان عن ان الكرامة هي اكثر ما يعتز به الاردنيون. لذلك رعاها ونمّاها وعززها في صدورنا؛ فأي فروسية ان تحكم شعبا بلا كرامة؟!
انتصف الملك لي ولمعشر الصحافيين الذين خاضوا معركة انتخابية من اجل حقوقهم.
وما كان الإنصاف ليتم، و رد الاعتبار والكرامة ليقع، لولا أن حول الملك بطانة تقدم له النصيحة الأمينة الشجاعة والمعلومات الصافية.
سرحت طويلا وانا مشدوه ومفتون بهذا الملك. قلت لنفسي: ما أكبر الحسين. يوم أمس الجمعة كنت ضد النظام! وتم العمل المضني ضدي كي لا أفوز نقيبا للصحافيين. تم تلطيخ سمعتي بوصفي ماسونيا وقبيضا من منظمة التحرير، واليوم السبت، أنا في ظلال الملك وفي ديوانه الملكي الهاشمي موظفا رئيسيا وواحدا من كبار حاشيته.
الحسين يبيع بيته ليبني بيوت الله
الملك الحسين، هو الذي باع بيته في لندن بمبلغ 8.5 مليون باوند إسترليني.
قال لي رئيس التشريفات الملكية نبيه شقم: حَوّلَ الملك كاملَ ثمن ذلك البيت إلى لجنة إعمار المسجد الأقصى.
وحينها قال هاشم القضاة: « إن من يبيع بيتَه ليبني بيوت الله، لن يخذله اللهُ أبداً «.
المواصفات المطلوبة
عام 2013 أي بعد عشرين عاما، خسّروني الانتخابات النيابية بفارق مجهري لا يرى بالعين المجردة. ثمانون صوتا من مليون صوت، كان الفارق مرة أخرى: ضئيلا !
قلت لنفسي: انا لست حزبيا ولست فاسدا ولست ماسونيا ولست قبيضا من منظمة التحرير ولا من ايران ولا من الخليج ولست موسادا ولست سي اي ايه ولست شيوعيا ولا قاعدة ولا حزب تحرير ولست إخوان مسلمين. فما هي المواصفات التي يطلبونها في النائب؟
المرارة مجددا في حلقي على الظلم الذي ألحقوه بي وعلى الاهانة التي وجهوها لي ووجهوها إلى الشباب المتحمس، أعضاء قائمتي الانتخابية رقم 44 ولذويهم ومناصريهم، وأيضا الإهانة التي وجهوها إلى أربعة عشر الف ناخب صوتوا لي رغم إنني لم اعلق يافطة واحدة في عمان لضيق ذات اليد!
ناخبون محترمون صدقوا مثلي ان الانتخابات نزيهة فأجهدوا أنفسهم وانتخبوا قائمتنا. إنها مرارة من حقي أن احتفظ بها علامة على أن غرام النظام وإن كان من طرف واحد، فانه لم يجعل مني حاقدا على بلدي.
اعتقالي من تحت القبة
حدث هذا معي في مطلع عام 1978 عندما كنت صحافيا في صحيفة الأخبار اليومية التي أغلقت عام 1980.
المالك: فؤاد سعد النمري. المدير العام: عبد الرحيم عمر. رئيس التحرير: راكان المجالي.
أبلغتنا مديرية الأمن العام أنها ستعقد مؤتمرا صحافيا صباحيا يتحدث فيه مدير الامن العام عن الجرائم التي تم كشفها خلال النصف الثاني من السنة الماضية. كلفتني الصحيفة بتغطية وقائع ذلك المؤتمر الصحافي فركبت سيارة الصحيفة مع مصورها لنكتشف أن وقود السيارة قد نفد!
وصلت المؤتمر الصحافي متأخرا جدا والصحافيون على وشك المغادرة.
ناولني الضابط الشاب ملفا مكونا من عشرات الصفحات المطبوعة قائلا: هذا ملف يحتوي على تفاصيل الجرائم التي كشف عنها مدير الأمن العام.
عدت إلى الصحيفة وهيأت الموضوع للنشر في اليوم التالي بأن وضعت له المقدمة التقليدية التي جاءت على النحو التالي:
(الأخبار- محمد داودية. عقد مدير الأمن العام مؤتمرا صحافيا صباح أمس كشف فيه النقاب عن عشرات الجرائم التي تم ضبطها خلال النصف الثاني من العام الماضي وكانت على النحو التالي...الخ).
نشرت الصحيفة وقائع المؤتمر الصحافي في اليوم التالي على صفحة كاملة.
كنت جالسا على «ديسك» الصحافيين أسجل وقائع جلسة المجلس الوطني الاستشاري الذي كان يعقد صباحا في مبنى البرلمان القديم - متحف الحياة السياسية- مع الصحافيين نصر المجالي واحمد الدباس واحمد الحسبان ومحمد موسى عوض.
قال لي احمد الحسبان: يوجد ضابط يقف أمام باب المجلس يسأل عنك.
تركت أوراقي وخرجت استطلع الامر.
انقضّ عليّ شرطيان ودفعاني إلى سيارة الشرطة وأنا ارفع صوتي صارخا ومستنكرا اعتقالي من تحت القبة!.
وصلنا إلى مبنى مديرية الأمن العام فإذا بعدد من الضباط ذوي «القبات الحمر» ينتظرونني عند أعلى درج المديرية، تقدم احدهم نحوي وسأل بلطف بالغ: هل أساء احد لك أستاذ محمد؟
لم اجب. اخذوا يلاطفونني كثيرا وأجلسوني على مقعد وثير، قدموا لي القهوة السادة فرفضت أن اشربها. وعرضوا عليّ شايا فرفضته وسجائر فرفضتها.
سألت: ما سبب اعتقالي بهذه الطريقة المهينة ؟
كان الجواب ان فتحوا لي محضرا. سألوني عن اسمي فرفضت أن أجيب.
حينذاك ابلغوني أن «إحضاري» تم بسبب نشري وقائع المؤتمر الصحافي الذي أوردت فيه الأسماء المفتوحة الكاملة لمرتكبي جنح السرقة وكان بينهم مجندون.
قال الضابط: كان يجب ان تنشر الحروف الأولى من الأسماء، لا الأسماء المفتوحة؛ الامر الذي يعتبر إساءة بالغة للوطن.
قلت له: لماذا لم تزودوني بالحروف الأولى من الاسماء بدلا من الأسماء الكاملة ؟ إنّ رئيس التحرير هو المسؤول عن الذي ينشر في الصحيفة وليس الصحافي؛ انا نشرت محتويات أوراق مطبوع عليها الأسماء المفتوحة التي سلمتموني إياها، كما انني وصلت مع نهاية المؤتمر الصحفي.
قال الضابط: لقد نبهوا على الصحافيين في بداية انعقاد المؤتمر بوجوب نشر الأسماء بالحروف الأولى وليس بالاسم الكامل، وذنبك انك وصلت متأخرا.
حولوني إلى محكمة الصلح. وما أن وصلت وبدأ استجوابي حتى جاء اتصال هاتفي تم بعده تحويلي إلى محكمة الجنايات الكبرى!
اتصلت بالمحامي محمد الرشدان ووكلته بمهمة الدفاع عني فأخرجني بالكفالة بعد اتصالات عديدة تدخلت فيها نقابة الصحافيين ورئيس التحرير وسليمان عرار وزير الداخلية.
على باب المحكمة كان احمد الدباس ينتظرني. اصطحبني إلى نقابة الصحافيين وهناك علمت أن احمد الدباس اخذ يُخبِّط على الطاولة وذهب إلى حيث يجلس أعضاء المجلس الوطني الاستشاري عبد الله الريماوي وأمين شقير ومحمود الشريف فأبلغهم بنبأ اعتقالي من تحت قبة المجلس.
كانت الجلسة منعقدة فصرخ الريماوي وشقير والشريف مطالبين بوقف الجلسة وطالبوا الحكومة بالاعتذار عن انتهاك حرمة المجلس.
توقفت الجلسة وبدا مضر بدران رئيس الحكومة مغتاظا وطلب من سليمان عرار وزير الداخلية، المغتاظ هو الآخر، جوابا فوريا. اتصل عرار بمدير الأمن العام وطلب معلومات. تم إبلاغ المجلس أن الأمر برمته خطأ وان لا أذى لحق أو سيلحق بالصحافي داودية؛ الأمر الذي فسّر لي سبب انتظار «القبات الحمر» لي على رأس درج المديرية والمعاملة المفرطة اللطف التي حظيت بها.
انقذتني شهامة احمد الدباس من «بهدلة» كبيرة ومن «مرمطة» أكبر.
أخذت القضية احد عشر شهرا في المحكمة مثلت خلالها مرة واحدة امام القاضي. تم استدعاء الشهود الذين حضروا المؤتمر الصحافي لمدير الأمن العام فشهد احمد سلامة لصالحي و أكد أن مدير الأمن العام لم يطلب من الصحافيين عدم نشر الأسماء المفتوحة.
ولما راجعت المحامي محمد الرشدان، الذي ترافع عني بلا مقابل، قال:
- صدر الحكم بعدم مسؤوليتك. براءة.
الحلقة 14 تتبع يوم الأربعاء المقبل