سلطة الإعلام الجديد
بالامس كنت على موعد مع الجمهور في مدينتي الحبيبة مادبا للحديث في موضوع "سلطة الإعلام الجديد" بدعوة من مديرية ثقافة مادبا.
ومن خلال الحوار تبين ان اغلبية جمهور الحاضرين لم تكن مرتاحة لاداء الاعلام العربي وذهب بعضهم الى وصفه باعلام "التثوير" وآخرون اعتقدوا ان الاعلام "يبالغ " في نشر المعلومة و"يتمادى" في الاستفزاز.
قلت لجمهوري بان "حسن النية" غير وارد في السياسية والاعلام وان المؤسسات الاعلامية ليست جمعيات خيرية, ولو كانت كذلك لوزعت ميزانياتها بمئات الملايين"زكاة" على الفقراء والمحتاجين, لكن وسائل الاعلام ادوات للعمل السياسي والتوجيه والتحشيد حول افكار معينة.
أما في عنوان المحاضرة فقد شرحت ماهية السلطة الجديدة لوسائل الاعلام التي باتت تتخطى كل السلطات ولا تكتفي بالرقابة عليها بل تأخذ ادوارها, وهنا تبرز خطورة الاعلام عندما يتم زواج المال والسياسة.
فقد لعبت وسائل الاتصال وثوراتها المتعاقبة دورا هائلا في التأثير على النظم السياسية في مختلف دول العالم, ومنذ اختراع الطباعة الى الهاتف الى الراديو الى التلفزيون الى القمر الصناعي الى الكمبيوتر الى الانترنت, نقل الانسان بقفزات هائلة الى الامام لان تلك الوسائل خاطبت العقل وادت الى تطوير مفاهيمه وقيمه.
والاهم ان المفاهيم انقلبت, فبعد ان كان تصنيف الاعلام في خانة السلطة الرابعة - وربما كان الامر تزلفا - الا ان الاعلام يقف اليوم كسلطة اولى, لانه اصبح اداة التغيير في المجتمعات وأداة للدفاع عن نظمها السياسية او اسقاطها. فلم تعد الحروب تخاض بالطائرات والدبابات بل بعدسات الكاميرات وميكروفونات الاذاعات ورؤوس الاقلام وسقط مفهوم الحروب العسكرية على الارض وجاءت الحروب الالكترونية للسيطرة على العقول وفرض التبعية والاستهلاكية عليها.
ما رأيناه في مصر ليس فقط ثورة شعب مظلوم بل ايضا ثورة اعلام جديد ديناميكي على نظام اعلامي قديم وفاسد اصبح في خدمة نظام سياسي متحجر همش دور وسائل الاعلام فجعلها " مطبلة مزمرة " وهنا تمرد الاعلام الجديد على الانظمة التي خنقته وجعلته سلطة عاشرة مثلما تمردت الوسائل الجديدة على القديمة.
الاعلام الجديد اصبح خارج الرقابة الحكومية ووسيلة اتصال مع المواطن الذي خرج من دور المتلقي الى دور المشارك في الحدث ونقله عندما تعجز وسائل الاعلام في الوصول الى مكان الاحداث, وكذلك عمل الاعلام الجديد على تآكل سيادة الدولة على إقليمها ومواطنيها واسقط مفهوم الرقابة مثلما همش العمل البرلماني القائم على الوساطة بين الناخب والحكومة.
ومن المفاهيم التي اسقطها الاعلام الجديد المفهوم التقليدي للامية ومحوها وغيرها إلى أمية الكمبيوتر ومحوها, ولعب الاعلام الجديد دورا في تغيير رابطة الدم(العشائرية) واستبدلها برابطة الدم الالكترونية (عشائر الانترنت).