النحس المتلبس بحقيبة "الداخلية"
لا أدري إن كان العيب في الاختيار أم في الحقيبة ذاتها، لكن الحقيقة الواقعة والمثبتة هي أن لدينا في الأردن مشكلة مع الوزراء الذين تعاقبوا على وزارة الداخلية خلال السنوات القليلة الماضية. ذلك أن جميعهم واجهوا النحس المتلبس بمقبض هذه الحقيبة دون سواها من حقائب الحكومة الأردنية.
المشكلة ليست في التصريحات التي تنسب إلى هؤلاء الوزراء ويتم نفيها فيما بعد على أساس أنها زلة لسان أو سوء تقدير، بل في طبيعة التعاطي مع الأزمة وتحليلها بفردية مطلقة، وهو ما يزيد من تعاظم الأزمة ويدخل الحكومة في مأزق تسميم الأجواء السياسية في البلاد التي لا تحتمل الانقسام على الوطنية أو المزايدات غير المقبولة في الوقت الراهن.
ومع تزايد المخاوف من حدوث تخبط في إدارة الأزمة، لا يمكن القبول بمبدأ المراهنة على نجاح خطة تكتيكية ما، ومناورة على اتجاه واحد لا يمكن أن يؤدي إلا إلى طريق التأزيم وتعكير صفو المشهد السياسي الداعي إلى إصلاح يشمل مصداقية التوجه الحكومي في التخفيف من حدة التوتر في الشارع، وعدم الإغلاق على الحوار الوطني الصادق في خدمة المطلب الإصلاحي من كافة الجهات، بما فيها الحكومة ذاتها.
في العادة، يكون رؤساء الأجهزة الأمنية هم من يثير الشارع ويحرج الخطاب الحكومي، لكن المشهد الأردني بعد أحداث "ساحة النخيل" أثبت أن مدير الأمن العام الفريق حسين هزاع المجالي ساهم في التخفيف من معضلة خطاب وزير الداخلية بشأن الحدث، وظهر رئيس الجهاز الأمني الأكثر احتكاكاً مع الناس واقعياً في التعاطي مع الأزمة، وقادراً على استيعاب حقيقة الحدث، وسارع إلى التخفيف من التوتر بين الإعلام والأمن بحكمة عالية كانت منتظرة من وزير الداخلية صاحب التاريخ السياسي العريق.
الغريب في الأمر أن وزارة الداخلية أصبحت في الأردن محطة تجريب، في حين أنها أكثر الحقائب الوزارية حساسية في الفترة الحالية لارتباطها الوثيق بالقرار السياسي والأمني على حدٍ سواء، حتى إن الوزراء أنفسهم يخوضون تجارب عجيبة في الخطاب الصادر عن الوزارة، ورسم مسار العمل فيها، وهو ما أدى إلى انقلاب التفاؤل بتولي شخصية سياسية وشعبية مرموقة لهذه الحقيبة إلى تشاؤم كبير وكأن الكرسي يفرض راديكاليته العالية في ذهن من يجلس عليه.
النحس الذي يصيب حالياً الخطاب الإعلامي في وزارة الداخلية غير مسبوق في الأردن، وهو ينطبق على قرارات إيجابية يتخذها الوزير مازن الساكت في التسهيل على المواطنين أثناء مراجعتهم للدوائر التابعة لوزارته، وطريقة إدارة الوزارة لشؤون العمل في دوائرها وفق رؤية حضارية نحترمها ونقدرها، لكن المواطن الأردني يحكم على الإدارة الحكيمة من خلال طريقة تعاطيها مع الأزمة، كما يحكم عليها الإعلام الخارجي المتربص بالأخطاء والثغرات.
ثمة عوامل أزمة يستأثر بها الزمن الأردني في الوقت الراهن تتطلب تأنيا عاليا من المسؤول عند إطلاق تصريح ما يخص المرحلة والحراك الشعبي الكبير الذي يشهده الشارع، وهو بالطبع حراك غير مسبوق، ومفاجئ، لكن الخبرة السياسية التي يتمتع بها المسؤول، إلى جانب حكمة الإدارة، والفهم الصحيح للحدث، تساهم غالباً في تجاوز ثغرات الخطاب، وأعتقد أن تجربة الدول المجاورة لنا في التعامل السلبي مع الحراك الشعبي فيها، ما أدى إلى تفاقم الأزمة لديها، درس كبير نتعلم منه الكثير لنحمي بلدنا من الانقسام الشعبي والسياسي، وزيادة التوتر الناتج عن تغذية الإقليمية، والعنصرية، وبث السموم.
ومع الصدمة الواضحة في نخب سياسية ينتظر الشارع منها وقفة صدق مع الوطن والإنسان الأردني، يبقى الأمل في إصلاح للذات خدمة للحاضر والتاريخ.
f.naasan@alghad.jo