فجعتنا برحيلك يا جمال

 في وقت متأخّر من ليل الأحد السادس من هذا الشهر التعيس ، فاجأتني الأنسة منال حمدي ، سكرتيرة تحرير مجلة أفكار، على غير العادة ، باتصال هاتفي تخبرني فيه أنها قرأت على صفحة محمد المشايخ خبر وفاة جمال ناجي..قلت لها لعلك تعنين أخاه ، وربما اختلط الأمر على المشايخ في حديثه عن تأبين أخيه..قالت لا هو يتحدث عن جمال وسأرسل لك الخبر على الواتسب أب.. صعقني الخبر ، أغلقت التلفون وأنا في حالة من الذهول بين مصدّق ومكذّب ، راجيا االله أن يكون الخبر كاذبا ، وفي ذلك الوقت حضرني بيت المتنبي : طوى الجزيرة حتى جاءني خبر فزغت فيه بآمالي إلى الكذب كنت آنذاك أتعلّق بأمل سرابي ألا يصدق الخبر ، ولكن الخبر الفاجع جاءني ليلا من الزميلة مجدولين أبو الرب التي أكّدت الخبر وهي تبكي ، ليدخلني ذلك في حالة من الحزن والألم ، فهل يعقل أن يختطف الموت شابا بكامل صحته وعافيته ، في لحظةغادرة ؟ فيا إلاهي أيكون الموت سريعا ومفاجئا هكذا ؟ أيعقل أن يغدو إنسان ملأ الدنيا فكرا وأدبا ونشاطا ، في لحظة خاطفة ، في عداد الأموات ؟ لقد كنا على موعد معه في اجتماعنا الدوري لمجلة أقكار بعد يومين ، لكن ملاك الموت سبقنا إليه ، فكيف يكون الموت قاسيا إلى هذا الحد ؟ أخي وصديقي جمال ، لقد رحلت قبل الأوان دون أن تقول لنا وداعا ، فهل مللت أحاديثنا ؟ هل ضجرت من نقاشاتنا ؟ هل اشتقت لأخيك المناضل الذي سبقك بشهور قليلة ، وحدّثتني طويلا عن دوره السياسي ، وصراعه المرير مع ذلك المرض الخبيث ، وعن ارتفاع معنوياته لدى زيارتك له في آخر أيّامه ؟ أم هو ألم وقهر لما تعرّض له مشروعك الثقافي في الآونة الأخيرة ؟ هل جاء موتك رفضا لرؤية افتتاح السفارة الأميركية في القدس ، المدينة التي اقترحت أن يخصص لها عدد كامل من أفكارلإثبات عروبة القدس التي يحاول الصهاينة تشويه وجهها العربي ، وعملت على إشهار العدد باحتفالية يرعاها وزير الثقافة ، وناضلت من أجل صدور العدد بملحق مجاني مع الصحف ، ليصل إلى أوسع قطاع من الناس ؟ لم يحتمل قلبك الرقيق ظلم هذا العالم وقسوته ، ولم يقو على رؤية القدس تتهوّد، وما احتمل حجم الظلم والقتل الذي يعيشه الشعب الفلسطيني ، وشلال الدماء النازفة في أرجاء الوطن العربي ، فخذلك ليريحك من هذا العناء.

 
أخي وصديقي جمال ، ما كنت أتخيّل أن تأتي هذه اللحظة التي أرثيك بها أيها الروائي العظيم ، الكاتب الطليعي ، المفكّر التنويري ، فبفقدك خسرنا قلما تقدميا ، وكاتباً مؤمنا بمدنية الدولة ، وروائيا طليعيا ترك بصمات ظاهرة على مسيرة الرواية الأردنية والفلسطينية والعربية ، وواحدا من أبرز الروائيين العرب. لا تقوى الكلمات على تصوير هول الألم والحزن على فقدك ، وستبقى صورتك البهية ، وروحك العذبة معنا في كل مكان وزمان ، وعزاؤنا أن يكون مكانك في السماء خيرا من مكانك في الدنيا ، فليرحمك االله أيها النبيل ، ويلهمنا وذويك الصبر والسلوان