التيار المدني وانتخابات نقابة المهندسين

اخبار البلد 

 

نجاح التيار المدني، في انتخابات نقابة المهندسين، يوم الجمعة الماضي، له أكثر من مدلول ويتعدى المنافسة التقليدية بين التيارين الديني والمدني في النقابة عبر العقود الماضية.
لا يجب قراءة نتيجة الانتخابات بأنها مجرد انتصار تيار على آخر ضمن ظروف معينة قد تتغير في المستقبل. الدلالة الحقيقية لما حدث أن هناك تيارا مدنيا ينمو في البلاد، رغم المعارضة الكثيفة التي يلقاها من مختلف الجهات، وأن هذا التيار قادر اليوم على المنافسة، بل والنجاح في معاقل كانت تحسب على التيار الديني كنقابة المهندسين. ويأتي هذا الانتصار بعد نجاح قائمة "معا" في الانتخابات الماضية وحصدها أعلى الأصوات في الدائرة الثالثة في عمان.
لقد تعرض هذا التيار المدني لمحاولات كثيفة لشيطنته، وتصوير مؤيديه ساعة بأنهم ضد الدين وتارة بأنهم أصحاب أجندة طائفية، وأخرى أنهم من المثليين، ودوما إن المدنية رديف لمحاربة الدين والأخلاق. ومن جهة أخرى، يتعرض التيار لهجوم من جهات أخرى من داخل المؤسسة الرسمية يرون أنه يمكن أن يؤدي في المستقبل الى كسر احتكارهم لصناعة القرار.
واضح اليوم أن شيطنة هذا التيار لم تنجح. كما أرجو أن يكون واضحا أن شيطنة الآخر، مهما كان هذا الآخر من أتباع الاتجاه الديني أو المدني أو أي اتجاه آخر، لن ينجح في بناء وطن تعددي مستقر تتفيأ تحت ظلاله الاتجاهات كافة من دون أن يحاول أحدها طمس الآخر أو التغول عليه بأي شكل من الأشكال.
لقد حان الوقت للاعتراف أن هناك تيارات مختلفة في البلد بعضها مدني وبعضها علماني وبعضها ديني، وأن أحدا منها لن ينجح في إلغاء الآخر، كما ليس من أفضلية لأحدها على الآخر إلا بالعمل، فالكل يبتغي مصلحة الوطن، كل حسب اعتقاده، يطرح برنامجه أمام الناس وينجح أو يفشل من خلال صندوق الاقتراع. لا يخون أحد الآخر، ولا يمننه بحب الوطن أو احتكار الأخلاق والقيم، لأن حب الوطن والتمتع بالأخلاق الحميدة ليسا لفريق دون آخر.
لهذا كله، أصبح من الضرورة بمكان اليوم الاتفاق على عقد اجتماعي جديد، لا يفرض من خلال الدولة، ويتعدى الاتفاق على العلاقة بين الدولة والمواطن. المطلوب الاتفاق على عقد اجتماعي جديد يحدد الإطار العام بين مختلف مكونات المجتمع الأردني، وتقوم هذه المكونات بالتفاوض على بنوده وصولا لمظلة تحمي التعددية والدين والفكر والمعتقد وتمنع تشريعيا أي مكون من التعدي على معتقدات وممارسات مكون آخر ضمن إطار وضعي بشري.
مطلوب من الدولة أيضا الاعتراف أن هناك تيارا مدنيا من حقه المطالبة بدولة المؤسسات والقانون وبناء نظام من الفصل والتوازن. ومن حقه العمل السياسي كما تقوم بذلك التيارات الدينية. وللأسف، هناك محاولات اليوم لمحاربة التيارات المدنية سبقتها محاولات لمحاربة التيارات الدينية، وكأن لسان حال بعض أذرع الدولة يرفض كل المحاولات التأطيرية لمختلف التيارات، مدنية كانت أو دينية.
يمر المجتمع الأردني في حالة مخاض صعبة بالتأكيد ولكنها تبشر بمستقبل مختلف يقر أن من مصلحة الجميع، ومن مصلحة استقرار البلد، الاعتراف بكل التيارات والتحاور للخروج بعقد جديد يضمن حرية الجميع في العمل والتواجد. التيار المدني الديمقراطي آخذ في التمدد، ولن ينجح لا تخويف البعض عن طريق إساءة استخدام الدين بشيطنته ولا محاولات إقصائه من قبل بعض أذرع الدولة في إلغائه. على هذا التيار تحد كبير لإثبات ديمقراطيته ونجاعته في تقديم الحلول المناسبة لمشاكل الناس.

FacebookTwitterطباعةZoom INZoom OUTحفظComment