ذكرى معركة الفلوجة

بالأمس مرّت الذكرى الخامسة عشرة السوداء لسقوط بغداد في أيدي الأميركان ، دون أن أقرأ أو أسمع شيئا عن تلك الكارثة التي ما تزال الأمة تعاني من آثارها.. والأسبوع الماضي مرّت الذكرى الأليمة لمعركة الفلوجة ، دون أن يشير أحد لما حدث في تلك البلدة القابعة على نهر الفرات غرب بغداد من وحشية لا يصدقها عقل ، فهل فقدت الأمة حسّها القومي والإنساني ، أم أننا استمرأنا الهزيمة والذل والمهانة حتى أصبحت من مكوناتنا الشخصية ؟ لهذا أجد نفسي ملزما بتذكير الإنسان العربي بأفجع كارثة إنسانية ارتكبها الأميركيون في العراق بعد احتلاله ، باستخدامهم القنابل العنقودية والغازات القاتلة والقنابل الفسفورية ، وقنابل اليورانيوم ، وكل أنواع الأسلحة والذخائر المحرمة دوليا ، ضد المدنيين لكسر إرادة الرفض العراقية.. بدأت القصة بخروج العراقيين في مظاهرة سلمية ضد تمركز الجيش الأمريكي في إحدى مدارس الفلوجة ، فتصدّت لهم القوات الأمريكية وقتلت منهم 17 مواطنا ، مما أدى إلى زيادة الاحتقان والتوتر ، وقيام بعض المواطنين ، ثأرا للضحايا، بسحل أربعة من مرتزقة شركة بلاك ووتر الأمريكية ، وتعليق جثثهم على جسر في البلدة ، مما أثارحفيظة الأميركيين ودفعهم للانتقام من البلدة كلها بأسلوب لم يسجل في حرب فيتنام. حوصرت البلدة من قبل القوات الأميركية ، وقامت الطائرات والمدفعية الثقيلة والصواريخ ، بتدمير المنازل والمرافق العامة ، وحاول الجيش الأمريكي اقتحام البلدة ، لكنه فوجيء بمقاومة شديدة، ومني بخسائر كبيرة في القوات والمعدات ، إذ قتل له 92 ضابطا وجنديا ، وأصيب العشرات من جنوده ، وخسر 50 مدرعة ، وهذا ما دفع الرئيس الأميركي بوش إلى القول: «لقد واجهت قواتنا أسبوعا قاسيا ، وأنا أصلّي كل يوم من أجل أن تتراجع الخسائر « لم يكن سهلا على الأميركيين أن يسلّموا بالهزيمة ، فأعدوا العدة للمعركة الثانية ، إذ حشدوا سبعة أضعاف القوة السابقة ، وحاصروا البلدة ، واستمرّ القصف والتدمير طوال شهر ونصف ، واستخدموا القنابل العنقودية والغازات السامة والفسفور الأبيض الذي كان يذيب اللحم والعظم ، وقد سقط في يوم واحد أكثر من 200 مواطن مدني ، ودمرت آلاف المنازل ، وقد أعلن أحد الأطباء الذين كانوا في مستشفى الفلوجة أن 90 %من الضحايا قتلوا بالكيماوي والفسفور الأبيض.. دخل الأميركيون البلدة بعد أسبوع من القصف العنيف والتدمير الشامل للأحياء ، وكانت الدبابات تسير على جثث الضحايا المتفحّمة المنصهرة التي غصّت بها الشوارع ، والتي زاد عددها على 1600 ، ناهيك عن الجثث التي ظلت تحت الأنقاض لما يزيد على سنتين. بعد تدمير البلدة ، وقتل الكثير من سكانها ، وتهجير معظم من بقي على قيد الحياة ، منع المحتل الأميركي أي بعثة دولية من دخول الفلوجة كي لا تكشف ممارساته الوحشية ، وقد استطاعت بعثة وكالة أنباء إيطالية زيارة البلدة بعد سنة من الجريمة ، وبثت تقريرا في 9 نوفمبر سنة 2005 جاء فيه أن المارينز استخدموا قنابل k77.m الشبيهة بالنابالم ، بالإضافة إلى الفسفور الأبيض الذي يعدّ من الأسلحة المحرّمة دوليا حسب قرارات ومعاهدات حظر استعمال الأسلحة الكيماوية ، والتي وقّعت عليه الولايات المتحدة الأميركية سنة 1993. شاهدت الأسبوع الماضي ندوة في تركيا حول تداعيات احتلال العراق شارك فيها السيد طاهر بوميدرا ، وهو أحد مسؤولي الأمم المتحدة في العراق زمن الاحتلال ، وقد أعلن في تلك الندوة أن الأميركيين استخدموا كل أنواع الأسلحة المحرّمة دوليا ، وأن نسبة السرطان والتشوهات الخلقية في الفلوجة تزيد عشرات المرات عنها في أي مكان آخر، وهذا كله بسبب استخدام الأسلحة الكيماوية ، وعلى العالم والأمم المتحدة أن يحاكموا الذين قاموا بذلك حتى بعد سنين ، وهذه الجرائم لا تسقط بالتقادم. هذا ما فعله الأميركيون في الفلوجة وبغداد وغيرهما من المدن العراقية، وما فعلوه في الموصل سنة 2017، وكل ذلك بناء على كذبة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل الاحتلال الذي قام على أكذوبة امتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل ، وهي الكذبة التي كادوا أن يحتلوا سورية أكثر من مرة بناء عليها. والمفارقة العجيبة أنهم عندما فشلوا في العثور على أي سلاح كيماوي في العراق ، قالوا لاضير في ذلك ويكفي أننا خلصنا العراق من ديكتاتور قاس ، ونشرنا الحرية والديمقراطية في ربوع العراق ، تلك الأكذوبة الثانية التي نرى ثمارها في العراق الغارق حتى الأذنين في الدماء والخراب والفساد. وبعد هذه الفضائح والتقارير الدولية عن انتشار السرطان والإعاقات وتشوهات المواليد ، بفعل الأسلحة الكيماويةا المحرّمة دوليا ، التي استخدمت ضد المواطنين العراقيين ، أفلا يحق لنا أن نتساءل لماذا تنافخ هؤلاء شرفا ضد سورية ، وأرسلوا بوارجهم وطائراتهم وصواريخهم لضربها بحجة كاذبة أنها استخدمت الأسلحة الكيماوية ، وهم سادة استخدام كل الأسلحة المحرّمة ؟أفلا يحق لهذه الشعوب المرزوءة أن تقاضي الأميركيين أمام المحاكم الدولية لما ارتكبوه من فظائع في البشر والشجر والحجر في العراق وسورية واليمن وليبيا والصومال والسودان...؟