إعادة الثقة بإعلامنا

اخبار البلد 

 
«هل صوت الحقيقة مسموع؟ لو كانت المشكلة أن الحقيقة غير مسموعة فستختلف التبعات عما لو كانت المشكلة أن الأخبار الزائفة تغرر بالناس». – إلي باريسر مؤسس موقع Upworthy.
في مناسبات عديدة يتحدث وزير الإعلام عن دور مشبوه للإعلام الخارجي ومواقع التواصل الاجتماعي في تأزيم الرأي العام ونشر أخبار كاذبة وبث الفرقة بيننا وبين الدول الشقيقة، وينفي كثيرا من الأخبار التي تحاول النيل من الأردن، وكان آخرها في الأسبوع الماضي عندما نفى ما تناقلته وسائل إعلام عن قصف سوريا من الأردن!
يذكر يافال هاراري مؤلف كتاب الإنسان الخارق Homo Deus أن الأنظمة الاستعمارية أثناء حقبة العبودية كانت تمنع الشعوب المستعمَرة المضطهدة من الوصول إلى الأخبار أو الحصول على تعليم جيد.
في هذا القرن لم يتغير الأمر كثيرا، فالرقابة تقوم بإغراق الشعوب في أخبار سخيفة غير مهمة ولا تتحدث عن المواضيع الهامة التي تمس وتؤثر في الشعوب!
لم يشهد التاريخ مثل هذا الحجم من المعلومات، كما لم يشهد حجما موازيا من الكذب والتدليس. يُضرب في وسائل الإعلام نموذج حي عن شخصين حقيقيين باسمين مستعارين هما أليكس وبوريكس، يقومان بنسخ مقالات وأخبار كاذبة ويعدلان عليها ويغيران عناوينها ويعيدان نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع إخبارية مختلفة، أحدهما قال أنه يفعل ذلك للتأثير على الرأي العام والسياسات الحكومية، والآخر قال إن هدفه المال حيث بلغت إيراداته من موقع واحد يملكه في شهر واحد أحد عشر ألف دولار.
الوجه الآخر لهذه المشكلة ليس صحفية ولا حتى خوارزمية، وإنما نحن!
نعم نحن!، فالأخبار الكاذبة تشغل عقولنا وتدغدغ مشاعرنا، لأنها تحمل الكثير من الغموض والإثارة والتشويق، والإنسان بطبيعته يحب تصديق ما هو غير مألوف وخارق، وإذا ما واجهته معلومات تتناقض مع معتقداته وأفكاره فإنه سيحكم قبضته على عقله لحماية معتقداته وأفكاره وسيتمترس خلفها ويبني الأسوار حولها وسيصنف العالم إلى نحن وهم، وسيرفض أي فكر آخر ويبدأ بكيل الاتهامات والشتائم.
في عام 1967 أجريت تجربة استمع المشاركون فيها إلى تسجيلات مؤيدة للعقيدة المسيحية ومناهضة للتدخين، لاحظ الباحثون أنه عندما يستمع المشاركون للمعلومات التي تؤيد وجهة نظرهم فإنهم يستمعون باهتمام ويرفعون صوت المذياع وإذا خالفت التسجيلات معتقداتهم فإنهم سيتصرفون على العكس فاقدين الاهتمام ويخفضون من صوت المذياع.
وإحدى أهم المشاكل هذه الأيام أن الناس أقل ثقة في مؤسساتهم ومنها المؤسسات الإعلامية، وتشير الدراسات إلى أن الناس يثقون بالأخبار التي مصدرها الأفراد أكثر بكثير من المؤسسات، ثم يتبنونها وتصبح أفكارهم ويروجونها ويدافعون عنها، وعندما يكررها الكثيرون ستصبح حقيقة حتى لو كانت كذبة.
ولنضع الملح على الجرح، فالدراسات أيضا تقول أن صدور الخبر عن موقع معروف بترويج الأكاذيب لا يفقده مصداقيته، وأن تكذيب الخبر سيزيد من إيمان الناس به.
كان الله في عون وزير إعلامنا، فالمهمة صعبة للغاية والمعضلة كبيرة من الصعب التغلب عليها، قد يكون أحد الحلول تبني سياسة إعلامية مبنية على علم سيكولوجية الجمهور وبيانات عن ثقته بالإعلام الرسمي وماذا يريد منه، وأعتقد بأن على الإعلام الرسمي إعادة بناء الثقة مع الجمهور من خلال تقديم إعلام مهني حر يتيح للجمهور التعبير من خلاله بدلا من التلقين.