الحياري : رفع الحد الأدنى للأجور لا يلحق ضررا بأصحاب العمل

اخبار البلد_ في ذروة تصاعد الاحتجاجات المطلبية التي يشهدها الشارع الاردني، يطالب رئيس نقابة عمال البناء والتشييد والاخشاب محمود الحياري بإصلاح اتحاد نقابات العمال وتفعيل دور المجلس الاقتصادي والاجتماعي والتعجيل في رفع الحد الادنى للاجور.

كما يطالب بوقف تدخل الحكومة في شؤون النقابات العمالية، وحماية عمال البناء من التسريح، داعيا الحكومة الى إعادة النظر في سياستها إزاء صناعة الاسمنت في المملكة.

ويشدد الحياري في حوار اجرته «الدستور» معه على ضرورة إقرار قانوني العمل والضمان الاجتماعي بعد فتح حوار وطني واجتماعي حولهما بمشاركة الاطراف المعنية، للخروج بتشريعات تراعي مصالح شركاء الانتاج الثلاثة.

وتاليا نص الحوار.

* هل تعتقد أن الحاجة باتت ملحة لزيادة الحد الادنى للاجور في الاردن؟.

- نعم، والمسألة تحتاج الى تكاتف الجهود الوطنية للدفع باتجاه إقرار زيادة للحد الادنى للاجور ليصل الى 250 دينارا، وباعتقادي أن الظروف الاقتصادية والمعيشية التي تمر بها البلاد تستدعي إقرار زيادة الحد الادنى للاجور والمعدل العام للاجور في القطاع الخاص، مع العلم أن رفع الحد الأدنى للاجور لا يلحق ضررا اقتصاديا بأصحاب العمل، بل إنه يحقق مزيدا من التطور في العملية الانتاجية ويزيد من عجلة التنمية ويحقق توازنا اقتصاديا.

* تعيش الحركة العمالية في الاردن في حالة من المناكفات والاحتقانات الداخلية بين قياداتها، الى أين تتجه هذه الخلافات؟ وما تقييمكم لواقع الحركة العمالية في المملكة؟.

- هناك حراك عمالي كبير وواسع شهدته الحركة العمالية خلال الاشهر الماضية، وقد انقسمت تأثيرات الحراك لوجهين أحدهما سلبي والثاني إيجابي، ولكن للاسف طغت السلبية بشكل كبير، وكانت هي الابرز والاكثر تأثيرا على الحركة العمالية، فبعض القوى استغلت تباين وجهات النظر لتمرير أجندة خاصة بها، ولذا فإني أدعو الزملاء للمحافظة على حقوق العمال ومكتسابتهم التي حققتها النقابة العمالية على مدار 30 عاما من العمل النقابي. وأدعو قيادات النقابات العمالية الى ان يكون هاجسهم مصلحة العمال، فالصراع على المواقع القيادية لا يخدم أيا من الاطراف ويسمح بتوغل أطراف أخرى همها الرئيس أن تستغل العمال وتحولهم الى أدوات في عملية الانتاج دون أن تراعي مصالحهم وحقوقهم.

طالبنا بتعديل النظام الداخلي للاتحاد، وطرحنا مشروعا إصلاحيا للاتحاد مصدره قوى عمالية من داخل الاتحاد، لا خارجية تريد أن تنفذ أجندة مشبوهة، وذلك للحفاظ على وحدة واستقرار الحركة العمالية وحمايتها من تغول الاطراف الاخرى.

* ما هو تقييكم للعلاقة بين الحكومة والنقابات العمالية؟ وهل ثمة توازن حقيقي وفعلي في العلاقة أم أن هناك تغولا في العلاقة؟.

- أؤكد أن الحكومة تحاول تهميش الحركة العمالية، ولدي شواهد كثيرة على ذلك التهميش المقصود، واستثناء النقابات العمالية من الحوارات الوطنية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تزخر بها الساحة الاردنية لدليل واضح على ذلك، اضافة الى أن الحكومة استثنت العمال من احتفالات ومهرجانات شعبية تعنى بالعمال وشؤونهم، كما أن الحكومة أقصت تمثيل النقابيين العمال من المجالس الاستشارية للمحافظات رغم أن ذلك حق من حقوق العمال في صناعة القرار الخدماتي والتنموي.

وفي نظري أن هذا الامر ليس من مصلحة الحكومة، والنقابات العمالية قادرة على أن تناكف الحكومة وتدخل في سجالات مفتوحة معها، غير أن المصلحة العامة في الوقت الحالي تقتضي الانتباه والتعامل بحذر بشديد مع الملفات الاصلاحية العامة.

وباعتقادي أن سياسة الحكومة تجاه الحركة العمالية سمحت لاصحاب العمل باستغلال هذا التهميش والتغول على العمال، واتخاذ قرارات تحرم العمال من حقوقهم، وتهدد الآلاف من العمال بفقدان وظائفهم، وتسمح لبعض الشركات في التغاضي عن تطبيق الاتفاقيات العمالية الجماعية المبرمة بين الطرفين، وعندي بخصوص ذلك شواهد كثيرة يعيشها عمال البناء والانشاءات في المملكة.

* تعلمون أنه مر أكثر من عامين على تأسيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي في المملكة، هل ترون أنه قام بالمهام والواجبات المناطة به؟ وهل استطاع المجلس أن يقترب من الدور الاجتماعي والاقتصادي له؟.

- إننا في النقابات العمالية أوضحنا مرارا وتكرارا تحفظنا على الآلية التي تم بها تشكيل المجلس الاقتصادي والاجتماعي الأردني وضرورة التحكم بأحكام النظام الخاص به وإعادة النظر بتركيبته ليكون أكثر انسجاما مع الواقع وممثلا حقيقيا لأطراف المعادلة الاقتصادية والاجتماعية. وهنا أود التأكيد على ضرورة أن تقوم كل مجموعة من المجموعات المكونة للمجلس بتسمية أعضائها دون التدخل في اعتماد هذه التسميات والاختيار دون تغيير من أية جهة حفاظا على رسالة المجلس وغاياته النبيلة.

ونطالب بإعادة تشكيل المجلس، وان يراعى في التشكلية الجديدة جميع أطراف الانتاج، وأن يكون هناك خبراء متخصصون لهم خبرة طويلة في الشؤون الاقتصادية والاجتماعية لتطوير المجلس وإخراجه من المحنة التي يمر بها.

وكنا نأمل أن يلعب المجلس دورا في التخفيف من الاحتقان المطالبي الذي شهده الشارع الاردني أخيرا، وأن يكون قريبا أكثر من هموم الاردنيين، وأن يقارب في عمله إيجاد استشارات اجتماعية واقتصادية تشخص الازمات التي تمر بها البلاد.

* في نظركم، هل بات من الضروري أن تراجع الحكومة سياسة استقدام العمالة الوافدة للمملكة؟.

- لا يمكن أن نقلل من أهمية العمالة الوافدة في رفد قطاعات إنتاجية واقتصادية بأيد عاملة ماهرة ومدربة، ولكن سياسة الحكومة بهذا الخصوص تحتاج الى مراجعات عميقة وشاملة تنظم سوق العمل المحلي، وتولي اهتماما للايدي العاملة الاردنية، وتحد من انتشار البطالة بين الاردنيين في مهن يمكن أن تعمل بها أيد عاملة أردنية.

ونطالب في هذا الاتجاه بأن تكثف وزارة العمل حملاتها التفتيشية على العمالة الوافدة التي تعمل بطرق غير قانونية، فهناك الآلاف من العمال الحاصلين على تصاريح للعمل في قطاع الزراعة ويعملون في قطاعات أخرى.

ولا بد من الاشارة هنا الى أن مؤسسة التدريب المهني والشركة الوطنية للتدريب والتشغيل تلعبان دورا مهما في رفد سوق العمل المحلي بعمالة مؤهلة ومدربة، ويمكن أن تنجح سياسة المؤسستين في الاعوام المقبلة في تحقيق أحلال كامل للعمالة الاردنية في بعض القطاعات الصناعية والانتاجية.

* هل أنتم راضون عن سياسة الحكومة تجاه ملف البطالة؟.

- الخطر الاجتماعي الكبير الذي تشكله ظاهرة البطالة، وارتفاع معدلاتها سنويا، يجعلنا ننظر بعين القلق تجاه كل السياسات الحكومية، فالبطالة هي السبب الرئيس لانتشار التطرف الديني والعنف الاجتماعي والفقر والجوع والعوز والجهل.

ومما هو واضح وجلي أن سياسات الحكومة ما زالت قاصرة وضعيفة، ولم تسهم في تشخيص أمراض وعلل الاقتصاد الوطني للوصول الى حلول واقعية لأزمة البطالة، كما أن الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص ما زالت هشة ولا تراعي في حساباتها الحد من البطالة وانتشارها الفادح في المجتمع.

* هل يتحمل القطاع الخاص مسؤوليته الاجتماعية؟.

- هناك تقصير واضح في هذا الخصوص، ولذا فإنني أدعو غرفة صناعة وتجارة عمان وجمعيات رجال الاعمال الى تحمل مسؤولياتها الاجتماعية، وخاصة بما يتعلق في ملفات التنمية والبطالة وتشغيل الاردنيين، وإن عقلية القطاع الخاص ما زالت تؤمن بالربح السريع والوفير دون أن تتحمل مسؤوليات اجتماعية تراعي الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، فأصحاب العمل يبحثون عن امتيازات استثمارية وتشجيعية من الحكومة ولا يقابلون ذلك بأي قرار اجتماعي أو تنموي على غرار ما تنتهجه نخب رجال الاعمال في العالم المتحضر.

* ما تقييمكم لتفعيل عمل اللجنة الثلاثية للعمل؟ وهل أفلحت في إثبات دورها في الشأن العمالي المحلي؟.

- نطالب بتفعيل أحكام قانون العمل الأردني وأنظمته بأن تقوم اللجنة الثلاثية لشؤون العمل بدورها الرئيسي والبدء بممارسة نشاطها ومهامها بخاصة بعد أن صدر النظام الخاص بهذه اللجنة وحدد مهامها وصلاحياتها وأعضاءها بشكل واضح، كما أن قانون العمل المعدل بين بشكل واضح المهام الاستشارية لها، وبين أيضا طبيعة القرارات التي يجيز القانون اتخاذها وجعلها من صلاحياتها، فلا يوجد مبرر لهذا الانتظار ما دام أن التشريعات الناظمة لها قد استكملت. وندعو إلى أن تكون اجتماعاتها في أقرب وقت كإحدى صيغ الحوار الاجتماعي البناء بين الشركاء الاجتماعيين، وهذا ينسجم مع توجهات القيادة والحكومة في إطلاق حوار وطني شامل على كافة الأصعدة للوصول إلى حل كافة القضايا والوصول إلى صيغ توافقية بين كافة الأطراف.

* ساد جدل كبير في الحركة العمالية والأطراف المعنية حول قانوني العمل والضمان الاجتماعي. بنظركم هل يحتاج القانونان لتعديلات جديدة كما يرى الكثير من قيادات العمال؟.

- إننا في أشد الحاجة لإعادة النظر بقانوني العمل والضمان الاجتماعي المؤمل عرضهما على مجلس النواب لمحاولة تلافي كل السلبيات والثغرات القانونية التي شابت هذين القانونين، كما أن إعادة النظر ببنود هذين القانونين ستلبي طموح وهموم العمال المشمولين بأحكامهما وتحفظ حقوقهم المكتسبة وتبعث الاستقرار والامان في نفوسهم أثناء رحلة عملهم وبعد تقاعدهم. ولنا عدة ملاحظات وتحفظات على هذين القانونين نأمل أن يؤخذ بها لاهميتها وانسجامها مع المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية وانسجامها مع المعايير الدولية التي صادق عليها الأردن وأصبحت ملزمة له.

* ما الانجازات العمالية التي حققتها النقابة على صعيد الاتفاقيات الجماعية مع شركات القطاع الخاص؟.

- استطاعت النقابة توقيع عشرات الاتفاقيات الجماعية خلال العام الجاري استفاد منها عدد كبير جدا من العاملين في الانشاءات والبناء وصناعة الاسمنت، والالمنيوم، كما نهجت النقابة سياسة جديدة في توسيع دائرة الانتساب اليها، وأسست 12 لجنة نقابية تتوزع على مختلف مواقع العمل في المملكة، وعقدنا العشرات من الدورات التدريبية والتثقيفية للعمال.

ولكن ما يواجهنا في قطاع الانشاءات والبناء هو خطر تسريح العمال الاردنيين نتيجة للظروف الاقتصادية التي تعاني منها بعض الشركات وخاصة في قطاع الاسمنت، حيث تحرص النقابة على تحقيق استقرار في علاقات العمل بين أطراف الإنتاج وبين الشركاء الاجتماعيين لحماية العمال الاردنيين من التسريح.

* هل تعتقد أن اصحاب العمل ملتزمون بمعايير وقواعد السلامة العامة؟ وهل ثمة أخطار تهدد العمال في قطاع الانشاءات والبناء نتيجة غيابها؟.

- ليس هناك التزام حقيقي بتطبيق معايير وقواعد السلامة العامة، وأعداد إصابات العمل في هذا القطاع يمكن اعتبارها الاعلى مقارنة بقطاعات أخرى، ورغم كل المراسلات والخطابات التي بعثناها الى الجهات المعنية لتفعيل التشريعات العمالية الناظمة للسلامة العامة، فإن الجهود المبذولة خاصة من قبل وزارة العمل ما زالت ضعيفة ومتدنية، ولا تضمن الحد الادنى لحماية العمال في قطاع البناء والمهن الخطرة والمباني المرتفعة والابراج والحفريات.

* ما هو تقييكم لواقع ومستقبل صناعة الاسمنت في الاردن وتطورها؟.

- لا أعلم إن كان قرار الحكومة بمنح 4 تصاريح تشغيل لمصانع اسمنت صائبا، فإنتاج المصانع يفوق الطاقة الاستيعابية للسوق المحلي. ومما هو واضح فان تصدير الاسمنت الاردني الى الاسواق الخارجية أمر مستحيل كون كلفة الانتاج في الاردن مرتفعة بسبب ارتفاع أسعار الطاقة، وقد تفرض هذه التحديات واقعا سلبيا على صناعة الاسمنت يتمثل في إغلاق مصانع للاسمنت وانخفاض معدلات الانتاج.

ونطالب الحكومة بإعادة النظر بكامل سياساتها بخصوص صناعة الاسمنت وذلك لحماية العمال الاردنيين من فقدان وظائفهم، فشركة لافارج الفرنسية سرحت نحو 1400 عامل منذ بدء تشغيلها وذلك لانخفاض معدلات إنتاجها نتيجة للظروف التي تعصف بالسوق المحلي الاردني.